بيار أبي صعبيطلّ بعد غياب عبر نصوص قديمة نسبيّاً (2000 ــــ 2002) تواصل حجبه عنّا. إنها نصوص تمعن في النأي والتجريد. كتابة حكميّة متصفية، تختزل المشاعر العابرة والمشاغل الفلسفيّة، الحبّ والموت، تدمج اليأس بالشبق، وتجمع بين الحسّي والعرفاني. تجبل الرؤيا بماء النشوة، ويتصاعد التداعي حتى ذروة المأساة. مأساة كونيّة حميمة، مأساة أن توجد ربّما، أن تشهد على تصدّع الداخل وانهيار العالم: «أعترف بأني كيمياء الغبار. وبأني صوت الموت وجثمانه. بل أنا جسد العدم...». «إنجيل شخصي» (النهار/ ناشرون)، أرض بركانيّة تتوالد منها الكلمات والمعاني، التأملات والأحاسيس، في قلب عالم تزعزعت أركانه. الشاعر يقارع المطلق، وعينه على الفجيعة. يخاطب الأبديّة، كما ندٌّ ندَّه. المتكلّم هنا هو العرّاف، البطل، النبي. أو ببساطة الشاعر الذي يقف عارياً، نورانيّاً، مسلّماً بمصيره، دونكيشوتاً في مواجهة زمانه. يواصل صاحب «سراح القتيل» (2001)، تجربة شعريّة تضعه على حدة بين أبناء جيله. إنجيله فيه من جبران ومن أنسي الحاج، نشيد الإنشاد والعهد الجديد، إضافة إلى مزامير ونصوص دينيّة وحكميّة وشعريّة عدّة صقلت ذائقته ومزاجه. أجزاء أربعة، أوّلها «خاتمة» وآخرها قفلة مكثفة تعيدنا إلى الغنائيّة الرؤيويّة التي بدأ بها النصّ. وبينهما «صيّاد الغيم» و«الديوان الناقص» الذي يدور
حول النشوة المجرّدة والحبيبة المطلقة. ما همّ أن ينغلق عليك النصّ كلما اتسعت الرؤيا. ما همّ أن تضيعك اللغة في منطقها الخاص. فالحبّ ليس بعيداً. «كلّما أحببتكِ كنتِ تفوزين بواحدٍ منّي./ كم أحبّك عندما أصيرُ لا أحد». عقل العويط ما زال محتفظاً بأسرار القصيدة.