صاحب JFK يعود بفيلم يحاول الإجابة، في قالب كوميدي، عن سؤال محرج: كيف انتقل بوش من مدمن كحول إلى قائد أعظم قوة في العالم؟
زياد عبدالله
يكفي أن يرد اسم المخرج الأميركي أوليفر ستون (1946) للمضي مباشرة إلى جديده W {دبليو} الذي يضع جورج دبليو بوش تحت مرمى الكاميرا، ماضياً في ملاحقة حياته وسخرية الأقدار التي جعلت منه رئيساً للولايات المتحدة. حرب فيتنام التي وثّقها كما لم يحدث قبلاً في {بلاتون} (1986) يستعيدها كذاكرة ضرورية في {دبليو}: {فلو شارك بوش في تلك الحرب، لما خاض حروباً في العراق وأفغانستان}. كما أنّ هذا الفيلم لن يكون متجهّماً كما كانت الحال مع {نيكسون}، لأن شخصية الأخير كانت سوداء ومعقّدة، والقضية هنا ليست معقّدة كما كانت عليه قضية اغتيال كيندي في {جاي أف كاي} (1991)، {إنه رجل عادي لا يعرف أن يتكلم، لا بل يتلعثم}، معتبراً هذا الفيلم فسحةً للمرح: Let’s have fun with it حسب تعبيره.
مرحباً بالإشكالية مجدداً، هذا ما يقوله {دبليو}، وأفلام كثيرة أخرجها ستون كانت تقتحم الشاشة الكبيرة، لتثير الجدل وتصطاد الحياة الشخصية والدوافع النفسية العميقة لصانع قرار، لمخربه، لجحيم حرب فيتنام التي عاشها ولم تفارقه، بعدما ترك جامعته والتحق بصفوف الجيش ونال الأوسمة على إيقاع أغاني فريق {دورز} والماريجوانا التي رافقت هلوسات الحرب ونال عنه أربع أوسكارات.
يعتبر ستون نفسه {درامياً} حتى العظم، بمعنى مقاربته أناساً على صراع دائم مع ذواتهم، ورصدهم من خلال وجهات نظر مختلفة عن المتوقع والسائد. الدراما شيء كوني، وبالتالي فمقاربته لموضوعاته تكون من زاوية هذه الرؤية، بعيداً عن المرحلة التي يتناولها، أو كون شخصياته أميركية في الغالب. فـ{الوطنية داء العصر} كما يؤكد دائماً.
يمثّل ستون غواية سينمائية حقيقيّة، يمكن بشق النفس إبعادها عن السياسة، لنجدها ملتصقة بالاقتصاد ومضاربي الأسهم و{وول ستريت} ـــــ عنوان شريطه الذي أخرجه عام 1987 مقارباً هذا العالم، مثل {بلاتون} على خلفية شخصية، لكون والده كان مضارباً في سوق المال هذا. وعلى هدي مرجعياته الثقافية الستينية، سيجد عام 1991 فرصةً لتقديم فيلم {دورز} عن الفرقة الموسيقية المعروفة والمغني الشهير جيم موريسون.
أفلام كثيرة قدمها، منوّعاً في انحيازه للتجريب، باحثاً دائماً عن أشكال جديدة. ولعل هذا الحديث يعيدنا إلى فيلمه الشهير {قتلة بالفطرة}، وزوبعة العنف والجنون التي أثارها على أصعدة عدة. إذ قدّم فيلماً أرهق كل من شاهده، بإيقاعه الصاخب وكابوسية القتل الذي لا يستثني أحداً، وترافق ذلك باحتفاء المجتمع بالقاتلين ميكي ومالوري بوصفهما نجماً ونجمة أضاء من خلالهما هذا المخرج رؤيةً مستقبلية لما يمضي إليه المجتمع الأميركي.
{دبليو} الذي يبدأ عرضه في الصالات الأميركية في 17 الشهر الحالي، يجسّد شخصية الرئيس الأميركي (يؤدي دوره جوش برولين) محاولاً الإجابة، في قالب كوميدي، عن سؤال: {كيف انتقل بوش من كحولي إلى قائد أعظم قوة في العالم؟}، وذلك من خلال استعادة نشأته وحياته التي كانت تطفو على بحر من الكحول والنساء، من دون أي معطيات على أنّه سيكون حاكماً لتكساس ومن ثم رئيساً للولايات المتحدة.
استعان ستون وكاتب السيناريو ستانلي وايز بمواد أرشيفية وكتب عدة تناولت بوش، وجاء الشريط مركّزاً على شخصية الرئيس الأميركي الحالي، راصداً علاقته بمحيطه وعائلته وأصدقائه. كما يسلّط الضوء على علاقة بوش الابن ببوش الأب، إذ اعتبر الخلف أنّ هزيمة سلفه أمام بيل كلينتون، تعود إلى تقاعس الأب عن إزاحة صدام حسين في حرب الخليج الأولى. هكذا تبدو دوافع بوش الابن من الحرب على العراق شخصيّة بحت، وذلك من خلال توثيق ما يرد على لسان بوش نفسه بأنّ إصراره على إزاحة الرئيس العراقي يرتبط بمشاعر شخصية ثأرية من الرجل الذي يتهمه بمحاولة اغتيال والده أثناء زيارة هذا الأخير إلى الكويت ربيع 1993.
شيء آخر لنا أن نعرفه عن علاقة بوش الابن بالأب... ألا وهو انفجار الابن في وجه أبيه، واصفاً إياه بـ{السيد المثالي، بطل الحرب المقدس السافل}.