strong>محمد خير لم يرث يسري نصر الله عن يوسف شاهين تيّاره السينمائي فحسب، بل ورث عنه أيضاً الاتهامات الجاهزة (غير مفهوم، غامض، سريالي). هي اتهامات انتقلت من أرض الكليشيه النقدي إلى الهجوم المباشر في المؤتمرات الصحافية. فخلال العرض الخاص لفيلمه الأخير «جنينة الأسماك»، أعرب بعض النقّاد والصحافيين والمشاهدين عن الموقف نفسه، بالخروج من الصالة. الفيلم الذي تقدّمه « أيام بيروت السينمائية»، اعتبره نقاد آخرون أهمّ وأفضل فيلم مصري في السنوات الأخيرة، ورأوا فيه خروجاً موفّقاً وسلساً من أرضية عمله التحفة «باب الشمس»، وعودة إلى قضايا السياسة والمجتمع بعد «مرسيدس». لكن تناول تلك القضايا في «جنينة الأسماك» جاء عبر قصة أشبه بمقطع عرضي من رواية طويلة، ليس لها بداية أو نهاية قاطعة، ولا حلول جذرية. إنّه فيلم يشبه مصر 2008 ، حيث لا شيء يتحرك. سكون طويل وركود سياسي من دون أمل، ولا أفق مضيء. وصرخات متحشرجة في السياسة وضد السياسة، ضد الكبت وضد الجنس في آن واحد، واحتقان اجتماعي ساخن وبارد في الوقت نفسه، إذ إنّ ناره تؤلم وتدمي، لكنّ عزلة الطبقات والفئات والأفراد تشبه مجمعاً هائلاً من أحواض الأسماك، يفصلها زجاج معتم وبارد لا يسمح بالتفاعل أو التواصل.
وتمامًا كواقع أبطال الفيلم، لا يبدو أن شيئاً سيلحق بشريط «جنينة الأسماك» يمنحه مصيراً مختلفاً عن بقية أفلام يسري. إذ نال الفيلم جوائز سابقة، وسينال المزيد من الجوائز في مهرجانات لاحقة، ليزداد تكريس الانفصال البصري بين نوعين من السينما: سينما تجارية يهوي معظمها إلى أسفل بلا هوادة، وسينما تراعي القيمة الفنية فيزداد التصاقاً بها لقب «سينما مهرجانات»... اللقب الذي ظهر في الأصل ليضمّ أفلاماً تصدر للغرب صورة استشراقية عن الواقع العربي. الآن يلحق الوصف بأي فيلم وأي مخرج يحاول تقديم سينما مغايرة للسائد، سينما تثير «تشاؤم» المنتجين والموزعين واستفزاز جمهور تعوّد كوميديا نظيفة من مشاهد الجنس لكنها مليئة بالإيحاءات.
السيناريو («غير المفهوم»!) في «جنينة الأسماك»، في منتهى البساطة: قصة شخصين يفترض بهما أن يهبا الآخرين ما يفتقدانه هما أصلاً. المذيعة ليلى (هند صبري) تستمع لأسرار الناس و«فضفضاتهم»، يوسف (عمرو واكد) طبيب في مستشفى يُعالج فيه أبوه من السرطان. يوسف وليلى عاجزان عن التواصل مع نفسيهما ومع الآخرين، يعيشان في مدينة لا يتحرك فيها شيء أو أحد، ويحاول كل منهما بطريقته أن يتأقلم أو ينسى، أو يتأقلم بالنسيان، تمامًا كالأسماك المحظوظة لأنّها لا تملك ذاكرة، وهي ميزة مهمّة جداً لمن كُتب عليه أن يقضي حياته في حوض زجاجي.
الفيلم كتبه يسري نصر الله بالاشتراك مع ناصر عبد الرحمن، تصوير سمير بهزان وموسيقى تامر كروان، مونتاج منى ربيع وديكور عادل المغربي، اشترك في التمثيل باسم سمرة، أحمد الفيشاوي، جميل راتب، سماح أنور، آسر ياسين، درة زروق.

8:00 مساء الأحد 19 الحالي ــــ 9:00 مساء الثلاثاء 21.