«أسوأ رئيس في التاريخ» هل يصلح نجماً سينمائيّاًباريس ــ عثمان تزغارت
«أي انطباع سيتركه الرئيس جورج دبليو بوش في الأذهان، بعد أن يغادر الحكم، مطلع العام المقبل؟ سيترك للتاريخ صورة أسوأ رئيس إدارة عرفتها الولايات المتحدة». هذا ما يجمع عليه ثلاثة سينمائيين بارزين ـــ أميركيّان وفرنسي ـــ خصّص كلٌّ منهم عمله الأخير لجانب من سيرة بوش وشخصيته الملتبسة، وهم: أوليفر ستون ومايكل مور وكارل زيرو. يتناول أوليفر ستون في W المنعطف المفصلي الذي شهد تحوّل بوش الابن من شاب كحولي إلى أصولي إنجيلي يعتقد بأنّه مكلّف مهمة إلهية في محاربة «محور الشر». أما مايكل مور، الذي سبق أن خاض ـ خلال انتخابات 2004 ـ حملة فاعلة ومعلنة لقطع الطريق أمام إعادة انتخاب بوش من خلال فيلمه التوثيقي الشهير «فهرنهايت 9/11» (السعفة الذهبية في «مهرجان كان» ـــ 2004)، فإنّه يأمل إطلاق حملة مماثلة لقطع الطريق أمام وريث بوش، مرشّح الرئاسة الجمهوري جون ماكين. لكن بطريقة مغايرة وغير مسبوقة... عبر الشبكة الإلكترونية! إذ طرح فيلمه الجديد Slacker Uprising للتحميل مجاناً على الإنترنت، من أجل تشجيع الشباب الأميركي على الاقتراع ضد ماكين في انتخابات الشهر المقبل (راجع البرواز).
وإذا كان مور قد اختار قالب السينما التوثيقية، فيما فضّل ستون التخييل الروائي، فإن الفرنسي كارل زيرو، سعى إلى المزاوجة بين هذين الصنفين، للإحاطة بشخصية بوش الإشكالية. وجاء ذلك وفق المنحى ذاته الذي سلكه في فيلمين سابقين رسم من خلالهما بورتريهات زاوجت بين التوثيق والتخييل عن الرئيس شيراك («في جلد جاك شيراك» ـــ 2006) وخلفه نيكولا ساركوزي (Starko ــــ 2008إذا كان نزيل البيت الأبيض الحالي «أسوأ رئيس أميركي في التاريخ»، فما سرّ تحوّله بطلاً سينمائياً في ثلاثة أفلام متزامنة، في سابقة هي الأولى بالنسبة إلى حاكم ما زال في السلطة؟ لا شك في أنّ الجواب يكمن في أنّ بوش الابن ـــ رغم غبائه الظاهر (حسب أوليفر ستون) والمتعمّد (حسب كارل زيرو) ــــ فقد تربّع على عرش «العالم الحر» 8 سنوات كاملة. وكانت فترة حكمه وبالاً على بلاده وعلى العالم، فقد بدأت ولايته الأولى بهجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وها هو يختتم ولايته الثانية بأزمة مالية غير مسبوقة تضع الاقتصاد العالمي على كفّ عفريت، كما يقول مايكل مور.
رسم أوليفر ستون سابقاً بورتريه رئيسين أميركيين سابقين، هما جون كيندي في JFK عام 1992 ونيكسون في الفيلم الذي يحمل اسمه (1996)، ثم تصدّى عام 2002 لسيرة فيدل كاسترو في قالب توثيقي في Comandante، بانتظار بورتريه مماثل يعتزم إنجازه عن رئيس فنزويلا الإشكالي هوغو شافيز. وبالنظر إلى توجّهات أوليفر ستون اليسارية المعروفة، فقد توقع كثيرون أن يغلب الطابع النضالي على البورتريه الذي سيرسمه عن الرئيس بوش، لكنّه فاجأ الجميع ببورتريه حميمي قال إنّه أراده مشابهاً للبورتريه المتوازن الذي رسمه ستيفن فريرز عن الملكة إليزابيث في رائعته «الملكة» (2006).
على رغم المصاعب الإنتاجية المتعددة التي واجهها، إذ اضطر إلى إنجاز فيلمه بميزانية متواضعة ــــ بالمواصفات الأميركية ــــ لم تتجاوز 30 مليون دولار، فإنّ ستون نجح في استكماله خلال فترة قياسية لم تتعدَّ 45 يوماً من التصوير، ثم أنجز المونتاج في ستة أسابيع فقط، ما جعله أسرع فيلم في تاريخ هوليوود على الإطلاق. وكل ذلك حرصاً على طرحه في الصالات قبل موعد انتخابات الرئاسة الأميركية. وقد بدأ عرضه أميركياً في 17 الحالي، بينما سيقدَّم عرضه العالمي الأول بعد غد الأربعاء في «مهرجان روما السينمائي» تمهيداً لطرحه في الصالات الأوروبية في 29 الحالي.
فضلاً عن رصد التحوّل المفصلي في حياة بوش من مدمن كحول إلى أصولي إنجيلي يتوهم أن الإرادة الإلهيّة تقود خطاه، فإن أهم ما يميّز الفيلم ـ الذي شاهدناه أخيراً خلال عرض خاص بباريس ـ أنّه يذهب أبعد من مجرد رسم بورتريه بوش، ليقدّم رؤيا تأملية في مفاهيم الخير والشر تذكّر ـ على أكثر من صعيد ـ برائعة ستانلي كوبريك الأشهر Dr. Strangelove.
الفرنسي كارل زيرو يشتهر هو الآخر بميوله اليسارية، ما جعل البورتريه الذي قدّمه في الربيع الماضي، عن الرئيس ساركوزي يتسم بالكثير من التحامل النضالي. لذا لم يرقَ إلى مستوى البورتريه الآسر الذي رسمه قبل عامين للرئيس شيراك.
تحوّل كارل زيرو إلى الإخراج السينمائي بعد أكثر من عشريّتين من العمل في التلفزيون، إذ كان يعدّ برنامجاً شهيراً على «كانال بلوس» تحت عنوان «النشرة الإخبارية الحقيقية»، ابتكر من خلاله أسلوباً مميزاً في المزج بين التوثيق الإخباري والتعليق الساخر، عبر الاستعانة بمقلّدي أصوات يتحدّثون على لسان رجال السياسة. وها هو يعتمد الأسلوب ذاته في السينما، وخاصة بعد النجاح الخارق الذي حقّقه عمله الأول «في جلد جاك شيراك». وهنا، يقوم بتجميع مادة أرشيفية ضخمة عن الشخصية التي يتناول سيرتها، ثم يقوم بكتابة تعليق الفيلم بصيغة المتكلّم، ويوكل أداءه إلى مقلّد أصوات، فيبدو كأنّ الشخصية موضوع الفيلم هي التي تتحدث، أو كأنّ المُشاهد يسمع ما يدور في ذهنها.
في فيلمه Being W الذي طرح في الصالات الأوروبية والأميركية في 8 الحالي، أوكل كارل زيرو إلى مقلّد الأصوات الأميركي الشهير جيم ميسكايمن قراءة تعليق الفيلم بصوت جورج بوش. وفضلاً عن هذه الطرافة الأسلوبية، سعى الفيلم إلى تشريح شخصية بوش، كاشفاً أنّه ليس غبياً إلى الحد الذي يريد الإيحاء به، بل يتعمّد التظاهر بالغباء والجهل أحياناً، لأنّ ذلك يجعل خصومه يستهينون به فلا يحتاطون منه كفايةً. ما يسهّل عليه الوصول إلى مآربه، كما تبينه بوضوح الصور الأرشيفية التي سلّط عليها الفيلم الأضواء، والمتعلقة بكواليس الجلسة التي أقنع خلالها الرئيس بوش أعضاء الكونغرس بتأييد مشروع غزو العراق!


مايكل مور: جاء دور جون ماكينهكذا يفتتح السينمائي الأميركي المشاكس مايكل مور شريطه التوثيقي الجديدSlacker Uprising الذي قرّر توزيعه بأسلوب مغاير، عبر طرحه للتحميل المجاني على الإنترنت، لتفادي العقبات التي قد تعترضه لو سلك قنوات التوزيع السينمائية التقليدية، على غرار ما عاناه فيلمه الأشهر «فهرنهايت 9/11».
في الفيلم الجديد الذي يأمل من خلاله تشجيع الشباب الأميركي على الاقتراع في انتخابات الشهر المقبل، لقطع الطريق أمام «وريث بوش» المرشح الجمهوري جون ماكين، يستعيد صاحب «بولينغ من أجل كولمباين» جوانب من حملة الترويج لفيلمه «فهرنهايت» التي جاب خلالها الولايات المتحدة، وتحوّلت إلى حملة سياسية وانتخابية مضادة للرئيس بوش. ثم يقدّم بأسلوبه اللاذع الشهير مرافعةً قاسيةً تسلّط الضوء على العواقب الوخيمة التي تمخّضت عنها الولاية الثانية لإدارة بوش، سواء على الصعيد الدولي، من حيث عزلة الولايات المتحدة، وتخبّطها في حرب العراق، أو على المستوى الداخلي، عبر الزجّ بالاقتصاد الأميركي نحو التأزم والإفلاس...