حسين بن حمزةيفاجئنا عصام عيّاد بباكورته «فلفل بلدي» (إصدار خاص). صاحب «بسطة» الكتب التي تحوّلت إلى مكتبة صغيرة في شارع الحمرا، يكشف لنا أنه كاتب أيضاً وليس صاحب مكتبة فقط. صديقنا عصام الذي نمرّ به للسؤال عن كتاب نفدت طبعته ولا نجده في المكتبات، يُقدم في باكورته «طلب انتساب» كممارس للكتابة هذه المرة. نقرأ كتابه متسائلين إن كانت صحبته الطويلة والحميمة مع الكتب ورّطته في «لوثة» الكتابة، أم أنّه كان يخفي ممارسته للكتابة محبِّذاً الظهور في صورة بائع كتب. يعرّف عصام عياد محتويات كتابه بمصطلح «نصوص» المثبت على الغلاف. لكنّ الشكل السطري الذي نُضِّدت به هذه النصوص يصنع لها شبهاً كاملاً بالقصائد. لعلّ الكاتب لم يُرِد أن يسميها شعراً كنوع من التهيّب (وربما التواضع)، أو ـــ ببساطة ـــ كي لا يُحاسب بشدة نقدية هو ليس في وارد مواجهتها. رغم ذلك، النصوص مكتوبة وفق الشروط التقليدية للشعر. ثمة كثافة وإيجاز وجهد واضح في اصطياد الصور والتشبيهات، وهناك استخدام للقافية، فضلاً عن الدلالة الواضحة لعبارة النّفّري الشهيرة «كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة» الموضوعة في مستهلّ الكتاب.
«نصوص» الكتاب أشبه بالبرقيات. كل برقية تحمل مقولة أو نصيحة أو فكرة... المرأة تحضر في كل الصفحات. لكنها حاضرة كجسد وجنس بالمعنى المباشر والحصري. ثمة مغالاة في مديح الجنس والشبق إلى حد أنّ المرأة تُختصر إلى لحمٍ فقط: «يا أحمق .. المرأة فخذ جميل ليس إلا»، ثم «فخذك لي، وثوراتهم إلى الجحيم»، وفي نص آخر: «ألسنَ نهوداً وفروجاً وأدباراً...؟».
إنه يدعونا إلى الاعتراف بـ«حقيقة» ما يدور في الأذهان والمخيّلات بعيداً عما يراه تهذيباً ونفاقاً اجتماعياً. يأخذنا في جولة تحت القشرة الرقيقة للتقاليد، حيث الغرائز وحدها تتكلم.. بل تفحُّ فحيحاً. المشكلة أنّ عيّاد يظن أنّ التحدي الأخلاقي كافٍ لصناعة حياة مقبولة لنصوصه، وأنّ نقل الثرثرات والإيحاءات الجنسية من حيِّز التداول الشفهي إلى حيِّز الكتابة سيُدهش القارئ ويقنعه بجدوى ما يقرأه.
هناك خيط رفيع بين كتابة الجسد وابتذاله. أغلب نصوص عيّاد تقطع هذا الخيط. بل إن الكاتب يتلذّذ بذلك، محوِّلاً الأفكار والمشهديات الجنسية إلى «نكات» بائخة. لنقرأ: «عابرة / على قضيبٍ عابر»، أو «فقط للإناث: أنا رجلٌ بسيقانٍ ثلاث»...