ثلاثون ليلة مقابل العام كلّه... تحدٍّ محفوف بالمجازفات، تحاولُ المحطّات اللبنانية والعربية، تحقيقه بشتى الوسائل. فكيف تنتقي كلٌّ منها مسلسلاتها وبرامجها؟ وما هي شروط المنافسة خلال هذا الشهر؟ وكيف تقطف «ثمار» رمضان؟ وأين يقفُ المشاهد من كل هذه الحسابات؟
ليال حداد
تختلف التلفزيونات اللبنانية والعربية في تعاطيها مع شهر رمضان، كلٌّ تبعاً لميزانيتها ونظرتها الخاصّة إلى المنافسة طوال الثلاثين يوماً. إلا أنها تتّفق جميعها على أن العامل الأوّل لاختيار برامجها يبقى إرضاء جمهورها الخاص، وتوفير التنوّع الكافي في نوعية ما تعرضه. «الأخبار» جالت على بعض المحطات، سألت عمّا يحدث في الكواليس قبل انطلاق مدفع رمضان... وعادت بنتجية واحدة: الميزانيات هي من «المحرّمات» بسبب المنافسة، واحتراماً للعقود الموقّعة مع المنتجين. وبالتالي، كل شيء مكشوف، باستثناء الأرقام!
تتحدّث سنا اسكندر، المسؤولة الإعلامية في LBC عن تجربة المحطة في رمضان، التي بدأت تتكرّس بشكل أقوى قبل عامين، لتشرح طريقة اختيار البرامج والمسلسلات، وخصوصاً في ما يخصّ شاشتها الفضائية. وتقول: «نعمل على بثّ برامج تنسجم مع روحية هذا الشهر، ومع ما ينتظره الجمهور ويتوقّعه في رمضان كالدراما المصرية والسورية، والصلاة، وبرامج الألعاب...». إلا أن عملية اختيار كل برنامج تأخذ وقتاً كبيراً، كما تؤكّد اسكندر، تبعاً لأبطال العمل وكلفته المادية. هذان العاملان يمثّلان الأساس عند مختلف المحطات. لكن تانيا وزّان، مديرة البرامج في تلفزيون «الجديد»، تضيف إلى عاملي الأبطال والكلفة، نقطة ثالثة: «يبقى للمواكبة الصحافية والأصداء الإعلامية التي ترافق تصوير المسلسل دور مهمّ». وتوضح: «عندما يحصد أحد الأعمال الدرامية ضجّة كبيرة قبل تصويره وأثناءه، فإن ذلك يسهّل علينا عملية الاختيار أحياناً». وتطرح وزّان معياراً جديداً لاختيار البرامج، هو: «المحافظة على هوية المحطة وجمهورها»، بمعنى ألا تقدّم هذه القناة برامج تصدم مشاهدها الوفي طوال أيام السنة.
من جهتها، تبدو طريقة اختيار البرامج على mbc مختلفة. إذ تمثّل الفضائية السعودية ما يشبه «لجنة فاحصة» تعمل قبل أشهر على مواكبة البرامج والأعمال الدرامية. كذلك فإن لرئيس مجلس إدارة مجموعة mbc وليد آل إبراهيم دوراً مهمّاً في تحديد البرامج التي تعرض. وتحرص mbc على عدم عرض الكثير من برامج المنوعات والألعاب خلال هذا الشهر (باستثناء «حروف وألوف»). وهو ما تراه mbc سياسة ناجحة، إذ إن أغلب القنوات الأخرى استغنت عن برامجها الفنية في رمضان. أما قناة «المنار» التي لم تعر إدارتها أهمية كبيرة لخسارتها الجزء الثالث من المسلسل السوري «باب الحارة»، فترى أنّ شعارها «المنار محطة الضيف الكريم» يختصر الكثير، وخصوصاً أنها (أي القناة) تعطي حيزاً مهماً للبرامج الدينية التي تنفرد فيه، كما يقول مدير العلاقات العامة في القناة إبراهيم فرحات.
ومن «المنار» إلى «المستقبل»: تشير مديرة البرامج جمانة فهمي إلى أنّ الإحصاءات عمّا يحبّه الجمهور، والبرامج التي نجحت في السنوات السابقة، هما عاملان أساسيّان في إرضاء المشاهدين، إضافة إلى مضمون العمل وإخراجه. وتقول: «وتبقى دائماً الأفضلية للدراما المصرية، لأن الجمهور يحبّها، فضلاً عن الدراما السورية واللبنانية، لكن بنسب أقلّ». وتلفت فهمي هنا إلى أن «المستقبل» هي الفضائية اللبنانية الوحيدة التي ستعرض دراما محلية على قناتها الفضائية (مسلسل «مجنون ليلى»).
أما otv، القناة الأصغر سنّاً التي تدخل المنافسة للمرة الأولى، فآثرت البقاء خارج إطار صراع المسلسلات، تماشياً مع ميزانيتها، «ولإعطاء خيار بديل للجمهور الذي لا يرغب بمشاهدة أعمال درامية»، كما يقول شادي الهاشم من مديرية البرامج. لا ينفي الهاشم إمكان حصول المحطة على بعض المسلسلات السورية مثلاً، كتلك التي تعرض للمرة الثانية بأسعار متدنية نسبياً: «نستطيع أن نشتري مسلسلاً عرض على الفضائية البحرينية ولم يشاهده الجمهور اللبناني، فنعرضه مساءً بسعر لا يتجاوز خمسين ألف دولار. لكننا فضلنا البقاء خارج لعبة الدراما، واقتصار المنافسة على البرامج».
وعند الحديث عن الأسعار، تبدو الأرقام المتداولة ـــــ وإن كانت سريّة ـــــ خيالية، «فأقل مسلسل ثمنه مليون دولار»، تقول فهمي («المستقبل»). وهي كلفة تطرح أسئلة عدّة عن ربح المحطات خلال هذا الشهر. و«الربح من الإعلانات» هو الجواب الموحّد بين كل المحطات، وإن اختلفت النسب.
في «المستقبل» على سبيل المثال، تمثّل الإعلانات نسبة 80 في المئة من الأرباح، فيما العشرون الباقية تعوّضها برامج الألعاب والرسائل القصيرة. «ومع ذلك، نتعرّض أحياناً للخسارة المادية، ولا سيما أن أسعار المسلسلات تجعل من بعض الأعمال غير مربحة»، كما تؤكد فهمي. أما mbc فتتحدّث عن رفضها لعدد من الإعلانات بسبب كثرتها: «نعم، هل تصدقين أننا أحياناً نضطر إلى رفض أي إعلان جديد، لأن سياسة الإعلانات في الشرق الأوسط تحتّم أن تكون الفترة القصوى لبثّ الإعلانات عشر دقائق؟»، تشير مسؤولة من قسم الإعلانات في المحطة، مفضلّة عدم ذكر اسمها.
وتجمع «المنار» و«المؤسسة اللبنانية للإرسال» وotv، على أنّ الإعلانات تغطّي تكاليف الشهر، وما تنفقه المحطات على البرامج والمسلسلات.
ويبقى الحديث عن المنافسة، الأهمّ في هذه الفترة، مع بثّ كل محطة إعلانات ترويجية عن «أضخم إنتاج تلفزيوني» أو «المسلسل الأول في شهر رمضان»... يرفض فرحات («المنار») الإشارة إلى منافسة «كاملة» مع المنار، بسبب تفردها ببثّ نوع معيّن من البرامج، «ثمّ نحن اخترنا شعار التميّز لا المنافسة». كذلك الأمر بالنسبة إلى LBC، إذ تؤكد إسكندر أن المحطة «تنافس نفسها، فتضع معايير معيّنة وتسعى إلى الحفاظ عليها». من جهتها، تبدو فهمي («المستقبل») أكثر وضوحاً هنا، فتسمّي «المؤسسة اللبنانية للإرسال» و«الجديد» منافسين أرضيين، وmbc ودبي و«الفضائية اللبنانية»، على الصعيد الفضائي. أما otv، فتعرف أنها لا تزال جديدة على الساحة: «بعدها إجرينا على الأرض»، يقول الهاشم. لكنه يؤكد في المقابل، أن الشاشة البرتقالية ستمثّل منافساً هاماً لكل المحطات هذا العام. والوضع من جديد، يبدو مختلفاً عند mbc التي ترى بأن كل محطّة لديها ما تتميّز به: «ونحن لم نضع بعد أوقات بثّ البرامج، لنرى باقي القنوات والأوقات المفضلة عند الجمهور، لنضمن نسبة مشاهدة جيّدة لجميع برامجنا».


رهانات الموسم

رغم أن المحطات العربية تختار باقة من البرامج والمسلسلات في رمضان، تعقدُ كل منها آمالاً على عمل أو عملين، ليمثّلا «ضربة» هذا العام. من هنا، تتوقّع تانيا وزان («الجديد») أن يكون «أسمهان» الأكثر نجاحاً، «بعد الأصداء التي حققها قبل التصوير وخلاله». من جهته، ينتظر شادي الهاشم أن تكون أغلب برامج otv ناجحة، وخصوصاً «أنوار رمضان» الذي «يعرّف الجمهور المسيحي والمسلم بمعاني الشهر الفضيل». كذلك تنتظر «المنار» أن يعوّض «أهل الراية» عن غياب الجزء الثالث من «باب الحارة»، إذ يعوّل إبراهيم فرحات على ارتفاع نسبة المشاهدة، «لما يحوي المسلسل من أهمية تاريخية».
وعلى LBC، «من المفترض أن يحقق «قصة الأمس» لإلهام شاهين النجاح بسبب تطرّقه لمسألة الهجرة بغية توفير لقمة العيش»، تقول سنا إسكندر، معولةً أيضاً على «قمر بني هاشم» الذي «كلّف كثيراً ويروي السيرة النبوية». أما nbn، فتراهن على «ناصر» الذي يقدم سيرة الزعيم جمال عبد الناصر، وعلى «ظل المحارب» الذي يقارب، بشكل فانتازي، واقعنا السياسي.