الأعمال التلفزيونية وشهر رمضان... عنوان مشوّق لحلقة باهتة من برنامج «الاتجاه المعاكس» على «الجزيرة» أول من أمس، توصّل فيها أحد الضيوف إلى أن «الغرب ينشر الفجور في أوساط المسلمين عبر المسلسلات»!
منار ديب
خصّص برنامج «الاتجاه المعاكس» على شاشة «الجزيرة»، حلقته أول من أمس لمناقشة ملف الدراما التلفزيونية وشهر رمضان. وكالعادة، بدأ صاحب البرنامج فيصل القاسم الحلقة بمقدمة من الكليشيهات والعبارات الجاهزة، الشائعة لدى إعلاميي «الجزيرة». ولكي يحافظ البرنامج على هويته في محطة «الرأي والرأي الآخر» بالمعنى السطحي للكلمة، لا بد أن تحتوي المقدمة الطروحات وعكسها. فمن ناحية، تحوّل رمضان من «شهر الفرج إلى شهر الفرجة، والتلفزيونات تنافس المساجد». لكن في المقابل، «لماذا نلوم التلفزيونات ولا نلوم المشاهد، والمشاهد يُشغل بالترّهات بدلاً من القضايا الكبرى؟...».
التوقعات خابت حين لم يكن الضيفان من المخرجين أو الممثلين، أو النقاد والمفكرين أو من الأسماء المعروفة. إذ لا بدَّ أن يأتي «الاتجاه المعاكس» كل مرة بمن يمثّلون النقيض التامّ لبعضهم بعضاً، لتنجح لعبة الاشتباك الكلامي التي يفضّها القاسم بحركة يديه الشهيرة. وهذا الصراخ والكلام فوق الكلام، هو ما صنع للبرنامج شعبيته في الماضي لدى العامة، وأمّن استعراضاً (show) من الشتائم والثقافة السياسية السفلية لقطاعات واسعة، سرعان ما انفضّت عنه.
هذه الحلقة الخاصة، استضافت محمد حبوشة، مساعد رئيس تحرير مجلة «الأهرام» العربي، والكاتب الإسلامي محمد إبراهيم مبروك، (وهنا يتساءل المشاهد عن مبرّرات وجيهة لاستضافته). كما طُرح على التصويت السؤال التالي: هل تؤيد حشد المسلسلات الدرامية في شهر رمضان؟ وأجابت النسبة الأكبر بـ«لا».
محمد مبروك نظر إلى الأعمال الدرامية بمنطق غائي ومؤامراتي، إذ يسعى الغرب إلى نشر الفجور في أوساط المسلمين من خلال المسلسلات برأيه. أما حبوشة، فحلّل الظاهرة بمنطق السوق، فـ«رمضان فرصة للعرض لأن المشاهد في حالة تشبه التفرغ». ولفت إلى أن العديد من الأعمال تقدم معلومات تاريخية ودينية وتنشر قيماً أخلاقية، كما أنها تصور الواقع الاجتماعي. مبروك رد عليه بالقول إن الأعمال التاريخية التي تقدم شخصيات إسلامية تُعلمن هذه الشخصيات وتفرغها من مضمونها وضرب مثلاً «صلاح الدين الأيوبي»، ويظهر أنه كان يقصد فيلم يوسف شاهين لا المسلسل السوري! وأضاف إن المسلسلات المعاصرة كـ «أيام الرعب والحب» المصري تكرّس قيماً مضادة للإسلام. ويبدو أن الكاتب الإسلامي غير مدرك أن عدداً كبيراً من الأعمال الدرامية العربية حالياً تعكس وجهات نظر محافظة. حبوشة قدم العديد من الأمثلة التي تظهر عكس ما طرحه مبروك، معظمها من الدراما السورية كـ «سقف العالم» و«قمر بني هاشم»، معرّجاً على «باب الحارة» الذي رأى أنه فكّ العزلة عن سوريا ودراماها. ولفت إلى أن الكونغرس والـCIA أوصيا بدراسة ظاهرة نجاح هذا المسلسل. فيما عقّب القاسم أن الجزء الثالث من «باب الحارة» فشل فشلاً ذريعاً.
وضمن هذا السياق من فوضى الطروحات، أخرج المقدم ورقة (من حواضر البيت) هي تقرير لـ«الجزيرة نت» عن الدراما السورية، واستشهد بتصريح للزميل خليل صويلح ورد في التقرير: «رأس المال السلفي الذي تحكّم في الصحافة المكتوبة يتجه الآن للدراما ليتحكم في الكتابة المرئية». حينها، حاول مبروك أن يوضح ما هي السلفية، مؤكداً في الوقت نفسه أنه لا يعبر عنها. ومع قراءة مقطع آخر من التقرير الذي يبدو أن القاسم لا يعرف مضمونه مسبقاً، علت علامات القلق على وجه الدكتور مع هذه الكلمات: «فالدراما السورية التي تطرح بمواضيعها التنوير والحداثة تحولت أسيرة لسياسة إنتاجية تتحكم في مسارها الدرامي فهناك رأس مال غير محلي يتحكم في الذائقة الشعبية». وعبارة «غير محلي» المقصود بها خليجي، بالطبع ليست بالأمر الذي يستحبّ سماعه في المنبر القطري. وربما كانت كلمة «خليجي» قد تحولت إلى «غير محلي» في المادة المنشورة على الموقع.
كما طرح للنقاش دور الفضائيات الدينية التي رأى القاسم أن لا أحد يشاهدها، أما حبوشة، فحاول أن يتناغم مع جو المنطق الإسلاموي للقناة، فقال إن الاتحاد الأوروبي صرف الملايين لتمويل قنوات «بورنو» موجهة إلى العرب، لكن هذه الوسيلة لم تنجح في ظل وجود قيم راسخة في مجتمعاتنا.