عمّان ــــ أحمد الزعتري في عمّان، المشهد يبدو مختلفاً بعد رحيل درويش. فالمدينة التي اختارها للإقامة والتنقّل بينها وبين رام الله لأنها تخلو من “الدوشة الثقافية”، ترثيه الآن بصمت. لكن، وبحسب رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين، سعود قبيلات، فقد جرت اتصالات مع الأمين العام لوزارة الثقافة الأردنية، جريس سماوي، لإقامة مراسم تكريمية عند وصول جثمان درويش إلى عمّان اليوم. آخر من رآه من الأصدقاء كان الناقدَين محمد شاهين وفيصل درّاج، قبل أن يسافر إلى هيوستن، بيوم واحد. يصف شاهين أجواء الزيارة بأنّها كانت ودية وحميمية بشكل غريب، بل إن درويش كان “منشرح الصدر” إلى درجة قال لهما: “معنوياتي عالية”. وخلال تلك الجلسة، تحدث الثلاثة عن موضوع له علاقة بمنظمة التحرير الفلسطينية في عامي 1980 و1981. سيناريوات عدة يسردها أصدقاؤه: في طريقه إلى مطار الملكة علياء، اتصل درويش بخيري منصور في القاهرة، وأبلغه بأنّ نسبة نجاح العملية 97 في المئة، فشجّعه الأخير على خوضها. وهذا ما دفعه للشعور بتأنيب الضمير بعد أن وصله الخبر طازجاً ومرّاً من هيوستن. وبجزع يسأل: ماذا أفعل برقم هاتفه؟
“أصدقاء درويش على مستويات”، يقول شاهين، فمن أصدقائه: الشاعران زهير أبو شايب وطاهر رياض، والمحامي غانم زريقات، إضافة إلى شاهين ودرّاج اللذين كانا أقرب أولئك في الفترة الأخيرة. وكان للصعاليك، كما يسمّيهم شاهين، مواعيد يحدّدها درويش مسبقاً.
البحث عن محمود درويش في عمّان يبدو مستحيلاً. فالرجل كان يفضّل العزلة على الانخراط في فعاليات أو حتى سهرات، مفضّلاً البقاء في شقته في “عبدون” من أكثر مناطق عمّان ثراءً.
قبل أن يغادر شاهين ودرّاج منزل درويش العمّاني، قال له الأول: “لمّا ترجع رح نعملّك حفلة”، فرد عليه درويش “آه.. رح نعمل حفلة كبيرة”. الحفلة التي يقيمها الآن أصدقاؤه المذهولون، تزدحم بصور كثيرة عن شاعرٍ أضفى إلى هذه المدينة حضوراً خفياً. مدينته التي يغادرها الآن بصمت، تعرف أنّها بـ“جفافها الثقافي”، اجتذبت شاعراً لن يمرّ عليها مثله