أزمة تتفاقم بين شركات الإنتاج وإدارة «ماسبيرو» محمد عبد الرحمن
جرت العادة أن يتأخّر التلفزيون المصري في إعلان قائمة المسلسلات التي اختار عرضها في شهر رمضان، لكنّ التأخر هذا العام لم يعد مسألة اختيارية، بل نتج من أزمة، تتفاقم مع الوقت... ذلك أن أسامة الشيخ، رئيس قطاع «النيل» للقنوات المتخصصة، يحاول استغلال مكانته في «ماسبيرو»، والحصول على حقّ العرض الحصري لبعض مسلسلات النجوم على شاشة «النيل للدراما»، ما حوّل العلاقة بين المنتجين والتلفزيون إلى «قنبلة موقوتة»، يحاول الجميع نزع فتيلها قبل أن تنفجر.
في السنوات السابقة، كان الجمهور المصري يعرف أن المنافسة أرضياً ستنحصر بين القناة الأولى والقناة الثانية. وكل عام، يبدأ الصراع بين النجوم لدخول قائمة الـ12 مسلسلاً التي يجري عرضها بعد الإفطار وحتى السحور، بمعدّل ستة أعمال لكل قناة، فيما كانت «النيل للدراما» (القناة الثالثة التابعة للتلفزيون المصري)، تقف على الهامش، مستحوذةً فقط على المسلسلات التي تنتجها «صوت القاهرة» و«قطاع الإنتاج»، وهي أعمال تخلو عادةً من أسماء النجوم.
وهذه المحطة تعاني ازدواجية، قلَّ نظيرها: تحقق أرضياً نسبة مشاهدة عالية، أما فضائياً، فلا تحقق أي صدى يذكر، وخصوصاً أنها مشفّرة (بعدما انضمّت فضائياً إلى باقة art). بالتالي، رأى كثيرون أن فوز «النيل للدراما» بعرض الجزء الأول من مسلسل «الدالي» معجزة. تزامن ذلك مع تولّي أسامة الشيخ مسؤولية القطاع الذي يدير القناة قبل رمضان الماضي بأسابيع، لكن دائرة طموحات الشيخ اتسعت بقوة هذا العام، واستطاع إقناع إدارة التلفزيون ممثلةً بوزير الإعلام أنس الفقي، بالتفاوض مع المنتجين الذين سيعرضون أعمالهم على شاشة القنوات الأرضية، لتقديمها أيضاً على الشاشة الأرضية لـ«النيل للدراما». وبذلك، سيتمكّن مشاهدو القناة من التمتّع بوجبة درامية متواصلة، لا تفصل بينها البرامج التي تعرضها القناتان «الأولى» و«الثانية».
وهنا بدأت الأزمة المستمرّة بين المنتجين وبين مسؤولي التلفزيون. ولأن أسامة الشيخ لا يريد أن يخسر فرصة تقديم العروض المتواصلة واستقطاب الجمهور، بدأ يفكر في إطلاق فضائية جديدة اسمها «دراما رمضان»، تحل محل النسخة الفضائية لـ«النيل للدراما» في رمضان فقط، وتعرض لشهر واحد المسلسلات الخالية من الأسماء الكبيرة، وهو يهدف من وراء ذلك إلى إقناع المنتجين بعرض مسلسلات النجوم على «النيل للدراما» التي ستبقى أرضية فقط، في هذه الحال.
لكن الأمر ليس سهلاً، فالكلمة لم تعد بيد المنتجين فقط، بل عند الفضائيات التي وقّعت عقود شراء حقوق عرض العديد من المسلسلات مثل «شرف فتح الباب» ليحيى الفخراني و«عدى النهار» لنيكول سابا وصلاح السعدني، و«نسيم الروح» لأيمن زيدان... هذه الأعمال كان من المفترض أن تعرض على التلفزيون المصري الأرضي عبر طريقين: أولهما مشاركة قطاع الإنتاج بنسبة 30 في المئة من كلفة التصوير مقابل حق العرض الأرضي، والثاني البيع المباشر للتلفزيون. والاتفاق هنا لا يضر بمصالح القنوات الفضائية، لكن هذه الأخيرة انتفضت عندما دخلت قناة «النيل للدراما» على الخط، خوفاً من أن تخسر جمهورها المصري، في حال عرض أسامة الشيخ مسلسلات النجوم على محطته التي تبثُّ فضائياً.
في المقابل، يحاول التلفزيون المصري وضع المنتجين أمام الأمر الواقع، وذلك عبر استضافة نجوم هذه المسلسلات، أو الحصول على لقطات من البلاتوهات، تبثّ على أساس أنها لقطات ترويجية لعرض مسلسلات النجوم، فما كان من بعض شركات الإنتاج إلا أن أوصت فرق تصوير أعمالها بعدم إخراج اللقطات الترويجية، إلا بعد التأكد من أنها لن تذهب إلى التلفزيون المصري.
ومن المتوقع أن تثير هذه الأزمة ـــــ إذا لم تنته سريعاً ـــــ مشكلات جمة مع لجنة المشاهدة التي يؤلّفها التلفزيون سنوياً لاختيار أفضل الأعمال. وهي اللجنة التي تواجه دائماً انتقادات واسعة، تتعلق بتفضيلها الأسماء على حساب المضمون. وحتى الآن، لم تعلن اللجنة قائمة الاختيارات، فيما قد يسحب بعض المنتجين أعمالهم إذا تأكدوا أن موافقة اللجنة على مسلسلاتهم تشمل حق العرض على قناة «النيل للدراما» أيضاً. ورأى بعضهم أن ما يحدث اليوم هو نتيجة لإهمال «ماسبيرو» طيلة السنوات الماضية مسألة الإنتاج التلفزيوني والسينمائي، ما أعطى المنتج هذه القدرة على التحكّم في تلفزيون الدولة.
ويحدث كل ذلك في وقت، يتعجب فيه كثيرون في الوسطين السياسي والفني من سعي التلفزيون المصري إلى شراء مسلسلات النجوم، وإهمال مسلسل جمال عبد الناصر، على رغم أن هذا التلفزيون هو منتج فيلم «ناصر 56» للراحل أحمد زكي قبل 12 عاماً.