بيار أبي صعب حين كتب مقدّمة الطبعة العربيّة من كتابه الجديد الذي صدر أخيراً عن «دار ألفارابي»، لم يكن يخطر بباله ربّما أنّه سيعيش تجربة أليمة مع المؤسسة التي يخدمها منذ سنوات، لمجرّد أنّه قام بواجبه المهنيّ. لقد وصل «صيد الساحرات» إذاً إلى «إذاعة فرنسا الدوليّة» («الأخبار» عدد الأربعاء الماضي). ولم يعد المشهد الاعلامي، في زمن برنار كوشنير وكريستين أوكرنت، يحتمل ذلك الصحافي الفرنسي المعروف بمناقبيّته، وبتجربته الميدانيّة الطويلة، وخصوصاً بنزاهته التي تكاد تغيب اليوم ـــ ما إن يصل الأمر إلى الصراع العربي الاسرائيلي ـــ عن الجزء الاكثر تكريساً وانتشاراً من الاعلام الفرنسي.
ويكفي اليوم أن نتصفّح «التحوّل الكبير» (ترجمة ميشال كرم)، لكي نفهم أكثر ما حدث لمؤلّفه ريشار لابيفيير. زميلنا المتمرّس في رصد كواليس السياسية الدوليّة وخوض البحث الاستقصائي الطويل النفس، يذهب دائماً إلى البقع المظلمة، ليسلّط الضوء على الحقائق الأكثر إيلاماً. وها هو يحاول أن يفهم «كيف ضحّى جاك شيراك بأربعين سنة من الديبلوماسيّة الفرنسيّة على مذبح صداقته مع رجل الأعمال ورئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري».
صاحب «دولارات الارهاب» الذي حاول، قبل عامين من أحداث 11 سبتمبر، تفكيك آليات تمويل الحركات الاسلاميّة المتطرّفة، ينتمي إلى جيل تبلور وعيه في ظل حركات التحرر في أميركا اللاتينيّة، ثم دفعته رياح التاريخ إلى هذه المنطقة من العالم. جاءها متعاطفاً مع الشعوب المظلومة في مواجهة التسلّط الاستعماري، ليصبح أحد الاختصاصيين في شؤون الشرق الأوسط. لكن الشهادة للحق مكلفة، كما سيتأكد كلّ من يقرأ «التحوّل الكبير».