شبح الأخوين داردين خيّم على «متروبوليس»علي زراقط
منذ حصول الفيلم البلجيكي «الطفل» للأخوين داردين على السعفة الذهبية في مهرجان «كان السينمائي» عام 2005، ما زلنا نشاهد تأثر السينمائيين الأوروبيين بأسلوب هذين المخرجين. هذا ما نراه جلياً في ثلاثة من أصل سبعة أفلام طويلة عُرضت خلال «الأسبوع الدولي للنقاد 2008» ـــــ أحد النشاطات الموازية لـ«مهرجن كان» ـــــ بعدما انتقل إلى بيروت للعام الثالث على التوالي في ضيافة صالة «متروبوليس» التي تقاتل هانية مروّة من أجل استمرارها في بيروت. والمعروف أن تلك التظاهرة تأسست عام 1961 ضمن مهرجان «كان»، بهدف اكتشاف المواهب الجديدة، إذ إنها تقتصر على استضافة الأفلام الأولى لمخرجين شباب.
الفيلمان البلجيكي «موسكو، بلجيكا» لكريستوف فان رومباي، والفرنسي «البالغون» لأنا نوفيون، يعودان إلى كلاسيكية الفيلم العائلي الفرنسي الذي لا يكتنف أي مخاطرة أسلوبية. أما الفيلم الألماني «الغريب في داخلي» للمخرجة الألمانية إميلي عاطف، فيوثق، من خلال الأسلوب الروائي، ليوميات امرأة تعاني اكتئاب ما بعد الولادة. يُعنى الفيلم بتطور الموضوع على أرضية علمية، ويحاول اللجوء إلى بعض الرمزيات التقليدية، كالدخول إلى الغابة أي العودة إلى الأرض الأم، أو قيام البطلة بالسباحة عارية إشارة إلى الاغتسال من الذنوب. كما يسجل الفيلم الروسي «فليمت الجميع إلا أنا» لفاليريا غاي غويرمانيكا أزمة النضوج عند مراهقات في المرحلة الثانوية. ويتعامل هذا العمل مع الواقع بقسوة فجة، وبواقعية والتصاق بالشخصيات، كأنّ هذه الأخيرة هي التي تقود التصوير، لا العكس. الفيلم الأرجنتيني «الدم يظهر» للمخرج بابلو فيندريك يتناول موضوع الأحلام والواقع لدى عائلة متوسطة الدخل في المدينة. الأب يحلم بالحنان والكرامة، الأم تحلم بالمال، الابن يحلم بالسفر والنجاح. كل هذا يسقط في طرق المدينة القاسية، وفي الكادرات الضيقة التي لا توحي إلا بالوحدة.
وسط هذا الزخم، يبرز فيلم «ثلج» لعايدة بيجيتش الذي نال الجائزة الكبرى للأسبوع، شريطاً جريئاً لما يتناوله من علاقة مع الأرض والتراب والتقاليد، وبالأخص الدين. إلا أنّه اعتمد أسلوباً يجمع بين الواقعية الشعرية التي نراها في السينما الإيرانية، وكلاسيكية السيناريو الدرامي التقليدي.
أما فيلم «أشياء أفضل» لدوان هوبكينز، فيأتي كصفعة على الوجه. شريط مليء بالزخم، ذو عصب سينمائي مشدود. يرتكز قبل أي شيء على السينما، بما هو التقاء مستويين: بصري وسمعي. لقطات مذهلة، ذات جمالية تذكّرنا بسوخوروف، وثقل نفسي يذكرنا ببرغمان، وقدرة على ابتداع الجديد يذكرنا بتروفو. الانتقال من الأسئلة الميتافيزيقية إلى المقارنات البصرية، إلى تعبيرية عبر تناغم الموسيقى الكلاسيكية مع الأداء التمثيلي، يؤكد لنا أنّ دوان هوبكنز هو اسم علينا حفظه عن ظهر قلب، في انتظار السنوات القليلة المقبلة...


أفلام قصيرة

جرأة وتجديد

بموازاة برنامج الأفلام الطويلة، عرضت «متروبوليس» سبعة أفلام قصيرة اختيرت من «أسبوع النقاد» ـــــ 2008. وهذه الأفلام كانت أكثر أهمية أحياناً من الأفلام الطويلة، لما فيها من جرأة في اعتماد خيارات سينمائية مجددة. من فيلم اللقطة الواحدة إلى السؤال عن الموسيقى... وخصوصاً فيلم التحريك الفرنسي «سخيزين» لجيريمي كلابان. يجري الفيلم كأنّه سحر. رجل بعيد عن مكانه، بينه وبين نفسه 91 سنتمتراً. هذا كل شيء. أما الباقي كله فوصف لحالته. سينما شعرية بامتياز، ننتظرها في فيلم طويل لكلابان.