أحيت الأسبوع الماضي فرقة “سلاف” اللبنانية حفلة موسيقية غنائية على مسرح “دوار الشمس”. إنها الحفلة الثالثة للفرقة اليافعة، سبقتها حفلتان في عامي 2006 و2007. تتألف “سلاف” من فؤاد فرج (إعداد موسيقي وبيانو)، رنا نادر (غناء)، عثمان عياد (عود)، بشار فرّان (باص كهربائي) وسلمان بعلبكي (إيقاعات)، وتعرّف مشروعها بـ“رؤية حديثة للموسيقى العربية”. تقدّم في هذا الاتجاه قولَبة جديدة لموشحات وأدوار وقصائد وطقاطيق ومواويل وغيرها من أشكال الغناء الشرقي. في حفلة “دوار الشمس”، قدمت الفرقة افتتاحية موسيقية من تأليف فؤاد فرج بعنوان “سلاف”، موشح “بدت من الخدر”، “إسأل عليّ”، موشح “ما احتيالي”، دَور “القلب يا ما انتظر”، “الورد جميل”، “يا طير”، “مُضناه جفاه” و“اسقينيها”، بالإضافة إلى تقاسيم للفرقة على مقام الدوكاه. يفرض المنطق الوقوف عند الحفلة الأخيرة للقيام بالتقويم الفني للمستوى الذي وصلت إليه الفرقة حالياً. نبدأ بالنقاط الإيجابية وهي كثيرة، فنذكر أبرزها: أولاً، تتمتع الفرقة بمعدل عالٍ لناحية تمكّن الموسيقيين من آلاتهم، ما يعطي إحساساً ثابتاً بالطمأنينة في ما يخص التنفيذ الموسيقي طوال الحفلة. ثانياً، يربط بين الموسيقيين تفاهم وتناغم لا يمكن إلا أن يكون مصدرهما التمارين المكثفة التي تسبق الحفلة. ثالثاً، يتمتع جميع أعضاء الفرقة بقدرة لا بأس بها على الارتجال، وينقسمون بين الإحساس الشرقي في التقسيم والإحساس الغربي (الجازي عموماً) في الارتجال، وذلك بحكم وجود العائلتين الشرقية والغربية في التركيبة. وثمة نقطة قوة بارزة في عملية التوليف التي يقوم بها فؤاد فرج، مُعدّ الأعمال التي تؤديها الفرقة، تكمن في اتجاه الأخير إلى التغيير الإيقاعي المتعمَّد، ما يعطي الأعمال دينامية جديدة تلفت الأذن التي تعرف العمل بنسخته الأصلية.
أمّا في ما يتعلق بالنقاط السلبية، وهي متفاوتة النفور، فنشير خصوصاً إلى غياب الطاقة التعبيرية في الفرقة (أو غياب كاريزما الجماعة إذا جاز التعبير)، أي ذاك السر الذي يفرض على الجمهور الإنصات ومتابعة كل ما يحدث على المسرح. أما مغنية الفرقة رنا نادر، فتتمتع بصوت ذي خامة جميلة وأداؤها صحيح ومعبِّر، لكن ينقصها قوة دفع من الداخل إلى الخارج. وقد يكون خجلها الفائض سبب هذا الكسوف في صوتها. وكذلك رنا، فإلى جانب التنفيذ القدير لأصعب المقاطع الغنائية، تقع من دون سابق إنذار في نشاز غير نافر هنا (في “الورد جميل”) ونافر هناك (في “يا طير” الذي كان عليها تفاديهما لمصلحة خيار آخر من عشرات الأغنيات الجميلة لفيروز التي لا تكتنف المطبّات الصعبة المتتالية كما في الأغنية المذكورة).
وفي الختام، نطالب “سلاف” بالعمل على تقديم أغنيتها الخاصة، بدءاً من تكوين نواة، ولو صغيرة، في هذا السياق، وذلك إلى جانب رؤيتها الجديدة للإرث الشرقي.