لم يكد يمضي شهرٌ على تصريحاته الناريّة في برنامج «ضد التيار» حتى أعلن استقالته. نقيب الفنانين السوريين، وصاحب القرارات المثيرة للجدل، أصابه «القرَف»، فقرر أن يرتاح... تاركاً المنصب شاغراً لخلفٍ لم يُعرف بعد
منار ديب
نقيب الفنانين في سوريا صباح عبيد يستقيل، معلّّلاً قراره المفاجئ الذي أثار الارتياح لدى الكثيرين، بقوله: «أصابني القرف من كل شيء في العالم العربي، وأريدُ أن أرتاح». كما أعرب عن يأسه، مقرراً العودة إلى أسرته وإلى العمل الفني. ويبدو أن تصريحات عبيد الأخيرة والمستفزة في برنامج «ضد التيار» على قناة «روتانا» (راجع «الأخبار»، عدد 11 حزيران/ يونيو 2008) وردود الفعل العنيفة التي أثارتها ــــ وهي تندرج ضمن جملة تراكمات، بينها قرارت مثيرة للجدل، مثل منع بعض الأسماء من الغناء في سوريا أو إيقاف عضوية فنانين سوريين بحجم جورج وسوف وميادة الحناوي ــــ دفعت لأن «يُنصح» بتقديم استقالته. الرجل الذي حقق في منصبه النقابي نجوميةً لم يعرف شيئاً منها في عمله الفني، ربما لم يجد أخيراً مَن يدافع عنه. والنهاية المأساوية لعبيد ستكون في محاولته إيجاد مكان له في الأعمال الدرامية السورية. فالعداوات الكثيرة التي أثارها، ومقدراته التمثيلية العادية، ستبعده عن خيارات المخرجين.
ومنصب النقيب في سوريا لا يعني بالضرورة تمثيل العاملين في المهنة المعنية، علماً بأن النقابات في هذا البلد ليست هيئات مجتمع مدني، بل «منظمات شعبية». وعادةً ما ينغمس في العمل النقابي الأشخاص الذين يملكون متسعاً من الوقت، ويملكون علاقات جيدة. وفي المجال الإبداعي، غالباً ما يكون هؤلاء من الفنانين المغمورين أو المتوسطي الشهرة الذين يعوّضون عن تواضعهم الفني بالعمل الإداري، ومحاولة أداء أدوار في الحياة العامة. منذ سنوات والقيادات الثقافية في سوريا في أفول. فنقابة الفنانين تولّت قيادتها شخصيات كدريد لحام وصباح فخري، وصولاً إلى الفنان أسعد فضة الذي خلفه عبيد. وكان فضة أيضاً قد شغل منصب مدير المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة، وهو الموقع الذي توالت عليه في السنوات الأخيرة أسماء كجهاد الزغبي وبسام ديوب وعجاج سليم. وينسحب الأمر على مواقع كنقابة الفنون الجميلة التي كان الفنان فاتح المدرس نقيباً لها في الثمانينيات، ومديرية التأليف والترجمة في وزارة الثقافة التي تولّاها بنجاح المفكّر الراحل أنطون مقدسي، منذ أواخر السبعينيات. وهذه المديرية تحولت إلى الهيئة السورية للكتاب التي رأسها عبد النبي أصطيف. وقد أعفي الأخير من مهماته قبل أيام، تزامناً مع استقالة عبيد، بعد الانتقادات الحادة التي وجهتها إليه الصحافة. فهل هو توجّه لتصحيح المسار عبر الإتيان بشخصيات تملك حيثية وتمثيلاً؟
نقيب الفنانين يُنتخب من مجالس فروع النقابة في المحافظات والمناطق، وهذه المجالس ينتخبها الأعضاء. لكن من المستغرب أن تضم هذه المجالس ــــ في بلد يزخر بالفنانين الكبار، ومعظمهم من أعضاء النقابة ــــ مطربي نوادٍ ليلية وممثّلين من الدرجة الثالثة. فإما أن هناك خللاً في الآلية الانتخابية، وإما أن الفنانين الجادين عازفون عن العمل النقابي، لشعورهم بعدم أهميته، أو رغبة منهم في اتخاذ مسافة من مؤسسات لا يثقون بها.
صباح عبيد الذي جمع بين موهبة متواضعة وعقلية ذكورية محافظة، مستعملاً خطاباً سياسياً ثورياً، صار من الماضي. وهو بعدما حاول أن يتخذ صورة المستبدّ العادل، والشخصية المستقلة التي تسعى لإحقاق الحق، كان في النهاية أسيراً لرؤيته التي أثارت استياء الكثيرين... فهل هو ضحية، أم أنه سعى لأن يؤدي دوراً في الاتجاه الخاطئ؟