بيار أبي صعب«قصائد ألمانيّة معاصرة» (1898 ــــ 1962) التي عرّبها فؤاد رفقة، وصدرت أخيراً عن «دار نلسن»، مناسبة لاستعادة ذلك الشاعر الخافت الذي يعيش في الظلّ... منه يتفرّج على العالم، يلحق بالزمن الهارب، أو لنقل «يخربش على جسد الوقت». هذا الرجل يحمل عبق عصر ذهبيّ بعيد، كان فيه للشعر سطوة عظيمة، وللحداثة موقع الصدارة. نادراً ما التقى الشعر والفلسفة لدى شاعر عربي معاصر، كما هي الحال لدى فؤاد رفقة (1930). من الولادة الدمشقيّة إلى الشباب البيروتي في مدينة تفور بزبد الأحلام والمشاريع. هنا درس الفلسفة في الجامعة الأميركيّة، قبل أن يقع على «مراثي دوينو» في مكتبة عامة. راينر ماريا ريلكه أخذه إلى الشعر، لكنّه يمم شطر توبينغن في ألمانيا لدراسة الفلسفة وعاد منها بأطروحة عن «الجمال عند هايدغر». ذات يوم في بيروت الخمسينيات ـــ حيث ارتاد خميس مجلّة «شعر» وصار من رعيلها ـــ قطع على نفسه عهداً بأن ينقل ريلكه إلى الضاد من لغته الأصليّة، وهذا ما فعله لاحقاً مع تراكل وهولدرلن وآخرين.
أما شعره، فيختبئ في مكان ما من هذا العالم التأملي. «بيدر» صنوه ومحاوره هو الشاهد على تسكعاته بين المدن والمقاهي والوجوه، تلك التسكّعات علّمته الرؤيا. من «علامات الزمن الأخير» إلى «أمطار قديمة» تقصر المسافة، وتمتدّ القصيدة كالمتاهة. والشاعر؟ «جوال على هذه الأرض لا أحد يعرف شيئاً عن ظهوره ومصيره. كل ما نعرفه عنه يتسرب إلينا من حكايات السهر. تروي الحكايات أنه في القفار تخمر تحت الشمس، وفي مرسم الوقت تحول إلى خربشات. غير أن عدداً من قطّاع الطرق يذكرون أنهم شاهدوه أول الليل يتحوّل إلى خربشات في حمرة الأفق».