حسين بن حمزة في روايتها الثانية «استوديو بيروت» (دار الساقي)، تختار هالة كوثراني لبطلتها مهنة «مخرجة سينمائية». الراوية وزوجها ربيع (ثمة إشارات إلى أنه كاتب) يعودان من مونتريال للعيش مجدداً في بيروت. الراوية سعيدة بالعودة. ترغب في الاستقرار، وتفكر في الإنجاب. في المقابل، ربيع مأزوم ويائس من نجاح الفكرة، ويواجه صعوبات في عمله. رغباتهما المتعاكسة تخلق صمتاً يفرِّق بينهما. ينزوي ربيع في بيت صديق لهما في الجبل. وتتابع هي سرد أحداث الرواية. تبدأ الرواية باتصال تتلقاه المخرجة من فتاة اسمها ريما. تسلمها ريما «سيناريو» من تأليفها. في صالون التجميل الذي تتردد إليه، تتعرف المخرجة إلى «هيام». تُعجب بشخصيتها وتقرر أن تكون هيام مشروع الفيلم الذي ترغب في إنجازه. سنعرف لاحقاً أن هيام هي خالة ريما. المخرجة ترسم شخصية هيام بالمزج بين ما تعرفه عنها وما كتبته ريما عن خالتها.
هيام تحضر بالطريقة التي تتناسب مع لغة المخرجة ــــ الراوية. تتدخل هيام لتروي نتفاً وقصاصات صغيرة من سيرتها. لكن ذلك يحدث باللغة نفسها التي تستخدمها الراوية، وهي لغة المؤلفة أصلاً. ما يحدث لهيام يحدث لباقي الشخصيات أيضاً. الزوج ربيع. أولغا الرومانية المتزوجة بلبناني والعاملة في صالون التجميل. عماد، عريس هيام المنتظر. ريما وأمها المتوفاة... يحس القارئ أن كل شخصية هي بورتريه من صناعة الراوية. حياة الشخصيات وعلاقاتها بعضها ببعض لا تحتدم سوى في مخيلة الراوية. ثمة نسخة واقعية لهذا الاحتدام. لكن اللغة تستبعد تلك النسخة لمصلحة نبرة السرد القائمة على فكرة أن الآخرين مرئيون ومُفَكَّرٌ فيهم من وجهة نظر الراوية. إنّهم كائنات لغوية أكثر من كونهم شخصيات ملموسة وحقيقية. الراوية تُدير هذه الشخصيات وفق مخيلتها ولغتها. اللغة الموحَّدة التي تحلّق بأجنحة الرومانسية والسينما والشعر، تحوِّل الرواية برمّتها إلى حالة بوح مستمرة. قد يكون البوح تكتيكاً مناسباً لإنجاز رواية خفيفة وسلسة وجذابة. ولكن لغة البوح نفسها قد تقود الرواية إلى مخالفة الواقع والحياة. بهذا المعنى، يمكن القول إن رواية هالة كوثراني أقل تعقيداً مما هي الروايات عادةً.
القارئ المتطلِّب مدعوّ إلى التساهل في مواضع عدة لكي يستمر في القراءة. الراوية تتحدث طوال الوقت عن فيلمها القادم. لكن ذلك لا يترافق مع أي تحضيرات. في بعض المقاطع تقول الراوية إن مشروع الفيلم سيتحقق قريباً. القارئ يعرف أن ثمة كاميرا بحوزتها. لكن لا يبدو ذلك كافياً للبدء بتصوير فيلم. المسألة أعقد من ذلك بكثير. ثم كيف سيُنجز الفيلم بدون سيناريو جاهز وبدون فريق عمل وبدون معدات تقنية. إضافةً إلى أننا لا نعرف نوعية الفيلم المزمع تصويره. هل هو روائي أم تسجيلي؟ طويل أم قصير؟ كم هي تكلفته؟ ومن هي الجهات التي تموِّله؟.
ماذا لو كان هذا القارئ مخرجاً لبنانياً؟ بالتأكيد سيقول لنفسه: إذا كان إنجاز فيلم بالسهولة التي يُنجز بها في هذه الرواية، فلماذا أقضي سنوات باحثاً عن التمويل؟ ولماذا تنام مشاريع أفلامي سنوات في الجوارير؟
لو أن كوثراني جعلت بطلتها كاتبة أو رسامة مثلاً، فإن ذلك كان سيجنِّبها هذا الإشكال، ويجعل الرواية مقنعة أكثر.