ثلاث شخصيات تعيش حياتها في عزلة موحشة. يطلّ «البالون الأحمر» من الشباك كأنّه يريد الاطمئنان. فيلم التايواني هو هسياو هسين على شاشة «متروبوليس» في بيروت
علي زراقط
قد تكون ميزة السينما أنّها قادرة على قطع كل ما هو مضجر في الحياة، لتجعلنا نتابع الأحداث المهمة فقط. إلا أنّ هو هسياو هسين يعمل على النقيض من ذلك، حيث تبدو الحياة خالية ملأى باللحظات المملّة. في «رحلة البالون الأحمر» الذي عرض في برنامج «نظرة ما» في «كان» 2007، وتعرضه حالياً «متروبوليس»، يقترح علينا المخرج التايواني أن نتخيّل «ماذا لو كان للبالون الأحمر عقل وقلب؟!». هذا الشق من الفيلم مقتبس عن «البالون الأحمر» لألبير لاموريس (1956) الذي نال في حينه أوسكار أفضل سيناريو. وهو الفيلم القصير الوحيد في تاريخ السينما الذي نال جائزة أوسكار خارج إطار مسابقة الأفلام القصيرة.
في اللقطة الأولى، نرى الطفل سيمون يراقب بالوناً أحمر في السماء. يكلّمه، ويطلب منه الاقتراب. يتردد البالون قليلاً ثم يحلق في السماء. ييأس سيمون وينزل إلى محطة المترو. لكنّ البالون الأحمر سيلحق به إلى المحطة ويراقبه يغادر من خلف زجاج القطار. سيمون طفل هادئ يذهب إلى المدرسة، يمارس ألعاب الفيديو ويتمرّن على البيانو. كذلك هي الأم سوزان (جولييت بينوش) المشغولة بحياتها اليومية. تحضّر لعرض مسرح دمى، وتمضي وقتها خارج المنزل. لذلك قررت الاستعانة بمربية لابنها هي سونغ فانغ طالبة السينما الصينية التي أتت إلى باريس لترى الشوارع التي صُوِّر فيها شريط «البالون الأحمر». كما أنها تحضّر لفيلم خاص بها مقتبس عنه. يبدو سيمون وحيداً في عالم من البالغين، كذلك هي والدته التي تفتقد زوجها المسافر، وسونغ في بلد غريب. الشخصيات الثلاث تلتصق كلٌّ بصديق: سيمون بالبيانو، الأم بمسرح الدمى، وسونغ بكاميرا الفيديو. أما البالون الأحمر، فيأتي ليطل عليهم من شباك المنزل كما لو كان يريد الاطمئنان إليهم.
تحاول عادةً السينما نقل الأشياء السحرية التي تحدث في الحياة، لتحوّلها إلى دهشة على شاشة العرض. إلا أنّ «رحلة البالون الأحمر» يحاول أن ينقل ما هو ساحر في السينما إلى الحياة العادية. تشرح سونغ لسيمون كيف أننا نستطيع أن نصوّر البالون وهو يتنقّل وحيداً في شوارع باريس، بأن نجعل رجلاً يرتدي ثوباً أخضر بالكامل يحمله ويحركه. لأننا نستطيع أن نمحو اللون الأخضر عبر الوسائط الرقمية. هذه الحكاية التي ترويها سونغ، تأتي لتزيد التساؤلات في الفيلم. هل مشهد البالون الأحمر هو من الفيلم أم جزء من الشريط الذي تصوّره سونغ؟ في المقابل، تروي سوزان في مسرحيتها كيف أنّ رجلاً سيجفّف البحر عبر غلي مياهه حتى يتبخّر، كي يجد حبيبته الغارقة فيه. ونتساءل هل تلك هي أمنية سوزان التي تعيش وحيدة بلا زوجها؟.
أسئلة كثيرة يقترحها علينا هو هسياو هسين، لكنّه لا يطرح أجوبة. يكتفي بإدخال بعض السحر على الحياة اليومية. هذه الاقتراحات تشبه ضربات الريشة في اللوحات الانطباعية. والفيلم ليس إلا الكثير من هذه الاقتراحات البصرية، والشعرية، والموسيقية عن كيفية إدخال السحر إلى الحياة اليومية المملة لأبطاله.
يطل صاحب «أزهار شانغهاي» و«صانع الدمى» على شوارع باريس من أبوابها الخلفية. وفي الأزقة الضيقة الداخلية، تبدو المدينة حية لكن هادئة. تشبه ذاكرتنا عن المكان، لا المكان كما هو فعلاً. يسجل الفيلم حنيناً يسكن المدينة التي أخرج فيها ألبير لاموريس «البالون الأحمر» عام 1956. تلك الفترة التي اشتهرت فيها الصور الفوتوغرافية مع إيزيس، براساي وكارتييه بروسون. وكان هذا الأخير يستخدم عبارة «لحظة القرار» عندما يجتمع الضوء، والتركيب الفني لمساحة الصورة، والحدث الحي لتتكوّن اللحظة السحرية وتطبع في صورة. هذا القول ينطبق على فيلم هو هسياو هسين عندما يقرر مساحة التصوير والقصة ويترك للممثلين حرية التحرك والارتجال... ليلتقط اللحظة السحرية.

Voyage du ballon rouge : حتى 10 آب (أغسطس) المقبل ــ سينما «متروبوليس» (الحمرا): 03/793065
www.metropoliscinema.net