علي فوازلم يتردد سمير القنطار في تبديد صورته القديمة منذ اللقطة الأولى التي ظهر فيها حرّاً على معبر الناقورة. صورة كنا قد نسجناها من صور متفرقة وقليلة، كانت تصل من السجن ومن ملصقات تتضامن معه وتحتجزه خلف القضبان. الملامح التي كانت محايدة، بتنا الآن نراها تتحرك وتتكلم وتصمت، بالطبع. لكن الصورة الذهنية التي كوّنّاها عنه، كانت غالباً أكثر رسوخاً من صورته التصويرية الحقيقية المطبوعة على ورق. الصورة الذهنية تختصر تصورنا عن سمير، فيما خيط رفيع يربط بين التصور والصورة (الحقيقية)... تصورات تستحضر الصورة، وصورة تستثير في الأذهان معاني ومفاهيم عن الحرية أو الأسر أو المقاومة... تبعاً لخلفياتنا السياسية والثقافية.
لم يغيّر سمير في ملامحه، لكننا ببساطة لم نكن نعرفه، ولأجل ذلك تصورناه، وانتظرنا أن نتعرّف إليه بالصوت والصورة. وفي الطريق إلى الحرية، كانت صورة جديدة تعبر معه، أو كأنه كان يعبر من صورة إلى صورة. لكن ماذا فعل سمير لتكريس صورته الجديدة؟ لم يفعل شيئاً. طلع علينا ببساطة بشخصيته الحقيقية، وكانت الكاميرا حاضرة لتنقله إلينا.
على الشاشة بدا سمير تلقائياً وعفوياً، طلاقته تتغلب على حضور الكاميرا ورهبتها، ربما لهذا السبب وجدنا أنفسنا نسلّم للصورة الجديدة عنه من دون أن ننتبه. لكن هناك أيضاً قدرته على التأقلم مع الواقع الجديد، وتعامله مع شروط البث المباشر والتقنيات التي كان غائباً عنها. كأن هذا الرجل يأتينا من بلد أفريقي قبع فيه ثلاثين عاماً، لا من سجن مؤبد. فمن الناقورة، إلى المطار، إلى ملعب الراية، إلى عبيه، ظلت الكاميرا رفيقته، من دون أن يخضع لسطوتها أو يستدرج إلى الارتباك والرهبة أمام عدساتها... ومن خلالها رسم ملامح صورته الجديدة عن إنسان عادي يعبّر عن قناعاته ويناضل لأجلها، ويقاوم ويسجن ويصمم على العودة إلى القتال بعيداً، من الرمزية التي أطّرت صورته القديمة. في مقابلتين تلفزيونيتين، إحداهما على «المنار» مع عمرو ناصف (مساء الخميس) والأخرى على «الجزيرة» مع غسان بن جدو (أول من أمس)، قادنا سمير إلى صورته الجديدة... فما الذي يمكن أن نعرفه أكثر في مقابلته المقبلة مع زاهي وهبي وعلى فضائية «المستقبل» غداً (22:30)؟