مات غريباً في دمشق عام 1989، بعد حياة موزّعة بين السجون والمنافي. الكاتب الأردني الذي عُرف بالتزامه، هو اليوم موضع نزاع بين «رابطة الكتّاب الأردنيين» و«مؤسسة الانتشار العربي»
نوال العلي
بدأت المشكلة حين أصدرت «مؤسسة الانتشار العربي» في بيروت ثلاثة كتب للروائي الأردني غالب هلسا، من دون إذن «رابطة الكتّاب الأردنيين». ثم شاءت المصادفة أن يقع أحد أعضاء الهيئة الإدارية على نسخة من كتاب هلسا «نقد الأدب الصهيوني» الذي يتضمّن، كتاباته عن أدب عاموس عوز... وإلا لما عرف أحد بمسألة النشر في بيروت!
عندها أبدى الأعضاء دهشتهم وغضبهم، لوّح بعضهم باحتمال رفع دعوى ضدّ الدار اللبنانية، فالرابطة «تملك وحدها حقوق نشر أعمال هلسا كاملةًَ، بما في ذلك المقالات المنشورة في مطبوعات مختلفة» وفق ما قال رئيس الرابطة سعود قبيلات الذي لا يستبعد رفع قضية على الدار، وخصوصاً أنّها ستصدر قريباً كتاباً رابعاً لهلسا. ويضيف في حديث لـ «الأخبار» إن «رابطة الكتاب الأردنيين» تنتظر حالياً من «الانتشار» أن تتصرف بأخلاقيات (نشر) رفيعة، وتتخذ موقفاً إزاء إصدارها ثلاثة كتب للروائي الراحل من دون إذن.
وكانت عائلة هلسا قد باعت حقوق أعماله كاملة للرابطة، كما أكّد قبيلات. لكن الطريف في القضيّة أن عائلة الكاتب الأردني الراحل، باعت أيضاً حقوقاً أخرى للكاتب والصحافي ناهض حتر شخصياً، ما خوّله جمع هذه المقالات في كتب. فالأعمال الصادرة عن «الانتشار» (إعداد وتقديم ناهض حتر)، هي مجموعة مقالات مختلفة ومتناثرة جمعها المذكور، بمجهود شخصي، في أربعة كتب اختار هو عناوينها: «نقد الأدب الصهيوني»، «اختيار النهايات الحزينة»، و«الهاربون من الحرية»، و«يوميات الصراع الطبقي في الساحة الفلسطينية في عقد الثمانينات».
أما «مؤسسة الانتشار»، فيبدو أنّها تعلم بامتلاك الرابطة حقوق النشر، كما قال المسؤول الإعلامي في المؤسسة نبيل مروّة في اتصال مع «الأخبار». إلا أنّ الدار اللبنانيّة عقدت اتفاقية مع «البنك الأهلي الأردني» الذي يعمل حتر مديراً لدائرته الثقافية. وتقوم بموجب الاتفاقية، بإصدار سلسلة من الأعمال الأدبية الأردنية، بينها أعمال هلسا المذكورة أعلاه، وتوزيعها في 13 دولة عربية. وتلتزم الدار أيضاً، بموجب الاتفاقية، بتوزيع منشورات ثقافيّة أخرى لـ «البنك الأهلي الأردني».
ولم يجد ناهض حتر ضرورةً لمخاطبة «الرابطة»، ولو من باب توضيح الأمور وإزالة أي لبس محتمل. بل إنه يستغرب أن تثار هذه المسألة، وهو صاحب الفضل على رابطة الكتّاب: «أنا مَن رتّب ودبر التمويل من وزارة الثقافة لتصبح الرابطة مالكة حقوق نشر هلسا» يقول حتر، مؤكداً أن حق الرابطة يتمثل فقط في الأعمال الروائية السبعة والكتب النقدية.
أما «رابطة الكتّاب الأردنيين»، فتصرّ على أنّها صاحبة الحق، رغم الاتفاق الذي وقّعه ناهض حتر مع شقيق هلسا. فيما علّق بعض أعضاء الهيئة الاداريّة قائلاً: «علينا أن نلقي اللوم على أنفسنا، فقد تباطأنا في مراسلة «اتحاد الناشرين العرب» للإعلان عن حقوقنا». فهل الرابطة آخر من يعلم؟ أم أنها لم تدقّق جيداً في ما اشترته من حقوق أعمال هلسا؟.
غالب هلسا ما زال يثير الضجّة بعد سنوات على رحيله. صاحب «الروائيون» و«سلطانة» و«بدو وزنوج وفلاحون» و«الخماسين» و«ثلاثة وجوه لبغداد» أحد أكثر الروائيين العرب إثارة للجدل. ويتساءل بعض النقّاد بين حين وآخر، عن غياب تأثيره اليوم في سياق الرواية العربية، رغم الإجماع على أهميّته وثراء تجربته الأدبيّة... وربّما كان الاهتمام الحالي بإعادة نشر أعماله، فرصة ذهبيّة أمام الأجيال اللاحقة، لتكتشف أو تعيد اكتشاف هذا العربي التائه الذي انغمس في السياسة، وهرب من الأردن، وتنقّل بين مصر وسوريا والعراق ولبنان حتى وفاته غريباً في دمشق عام 1989.
من كان يظن أنّ يوماً سيأتي، تتنازع فيه مؤسسات مختلفة على نشر أعمال المثقف النقدي الذي ضاقت به سبل الكتابة والحياة، وعاش غريباً في وطنه؟.