حسين بن حمزةفي أيّ لقطة من أيّ فيلم له، كان المشاهد يدرك بسهولة أن ما يراه هو من صناعة يوسف شاهين. من حركة الكاميرا. من زاوية أخذ اللقطة. من الدسامة التعبيرية لكادر اللقطة ككل... كان الرجل صاحب لغة سينمائية. لا جديد في هذا الكلام طبعاً، لكن فكرة الاهتداء إلى إمضاء شاهين من مجرد لقطة واحدة له ـــــ وانتشار هذه الفكرة كمُسَلَّمة ـــــ تؤكد، بطريقة ما، إلى أيّ حد كانت لغة شاهين شائعة كماركة مسجّلة باسمه. ينبغي أن نضيف أن ذلك كان شائعاً بين جمهور السينما العادي أيضاً لا لدى المختصّين والمهتمّين بها فقط. حتى الذين لم يحبوا أفلامه كانوا يعرفون أن لديه «أسبابه» السينمائية القوية والوجيهة التي تجعله «معقَّداً» وصعب الفهم في نظرهم.
الممثلون الذين رشحهم للعب أدوار في أفلامه، كانوا يتركون كل شيء ويتفرغون له. هؤلاء كانوا يعرفون مسبقاً أنهم مدعوّون إلى وجبة سينمائية مختلفة، وأن العمل مع المعلم «جو» سيضيف علامة فارقة على الفيلموغرافيا الخاصة بكل واحد منهم. كان اختيارهم ـــــ سواء لبطولة مطلقة أو مجرد دور قصير وعابر ـــــ أشبه بالحصول على شهادات «حُسن أداء سينمائي». ولكن ـــــ في الوقت نفسه ـــــ كان العمل معه يخُضعهم لشرطٍ خفيّ يتحولون بموجبه إلى مواد طيِّعة بين يديه... يعيد تكوينها وصوغها كما يريد. من حق أي مخرج أن يفرض رؤيته وأسلوب عمله، ولكن العمل مع صاحب «اسكندرية ليه» كان يتطلب أن يتحول الممثلون إلى مؤدّي أدوار خاضعة لمزاج شاهيني متشدد. نور الشريف هو نور شريف آخر في أفلام شاهين. والحال كذلك بالنسبة إلى يسرا وخالد النبوي ومحمود حميدة ونبيلة عبيد ومحمد منير وهاني سلامة... بل إن ممثلاً مثل محسن محيي الدين الذي لعب بطولة عدد من أفلام شاهين يكاد يكون غير موجود خارج هذه الأفلام. الإمضاء الشاهيني كان يصنع ممثلين شاهينيين.. وحين كان بعضهم يعملون بإدارة مخرجين آخرين كانوا يفقدون «الهالة» التي منحهم شاهين إياها. كانوا أشبه باليتامى خارج أفلامه. وها هم يتامى رحيله أيضاً.