تعقيباً على مراجعات مختلفة لـ «صورة العرب في الأدب الفارسي الحديث» (شركة قدمس للنشر والتوزيع)، يفتح ناشر الكتاب النقاش، ويخوض في بعض القضايا الإشكاليّة التي تجمع بين الثقافة والسياسة
زياد منى
لقد فَجَعَنَا مدى قلة الأمانة في بعض المراجعات لكتاب «صورة العرب في الأدب الفارسي الحديث» (شركة قدمس للنشر والتوزيع ــــ بيروت) المنشورة في صحافة عربية ورقية وبعض المواقع الإلكترونية. ذلك أن ما اطّلعت عليه حتى الآن يتجاهل عمداً الرسالة الرئيس للكتاب. موضوع الكتاب هو أن صورة العربي «القبيح» انتشرت في الأدب الفارسي الحديث قبيل الثورة هناك، وكان النظام الشاهنشاهي يشجع عليها وعلى كراهية العرب.
الناشر الإيراني الذي نشر الترجمة الفارسية للكتاب أخيراً أشار إلى هذا الأمر، وانتقد العصبية «الفارسية» التي لم تتمكّن من التعبير عن نفسها وفوقيتها وعن ادعائها «الأفضلية» إلا عبر التحريض على الآخرين، والعرب تحديداً. بل إنه نشر الترجمة بعنوان «معاداة العرب في الأدب الفارسي الحديث».
فعندما كان النظام الشاهنشاهي، المتحالف مع العدو الصهيوني والمعادي تماماً للعرب، لم يكترث عربان أميركا في تلك الأيام للأمر وأقاموا معه أفضل العلاقات. بل إن بعضهم استجلب القوات «الفارسية» لمحاربة شعبه كما فعل سلطان عمان.
كما لم يطرح عربان أميركا مسألة الصفة (الخليج الفارسي) أيامها، وها هم يتذكرون «العرب والعروبة» فقط هنا، وينسونها في فلسطين والعراق وغيرهما من أنحاء وطننا المفجوع حيث يطالبون الشعب الفلسطيني بالتخلي عن وطنه عبر طرح مشاريع «التسوية» مع العدو.
بالمناسبة، وللتذكير فقط، صفة «الخليج الفارسي» قديمة تعود إلى العهد الإغريقي الذي أطلق على البحر الأحمر اسم «بحر العرب». ولا أحد يحتج اليوم على الاسم (بحر العرب) الواقع إلى جنوب جزيرة العرب، مع أنه لا وجود للعرب فيه. لكنها تسمية تاريخية بقيت إلى الآن.
وبعض عربان أميركا لم يكترثوا للجزر الثلاث في أيام الشاه، بل خضعوا لتهديده وامتنعوا عن تسمية منظمتهم «مجلس دول تعاون الخليج العربي» وأزالوا الصفة (العربي) من الاسم، وكلّنا نذكر ذلك.
وعندما أسقط الشعب الإيراني النظام الشاهنشاهي، وقدم سفارة العدو الصهيوني هدية لفلسطين وحوّلها إلى سفارة لمنظمة التحرير، بدأ عرب أميركا باكتشاف عروبة اسم الخليج والجزر، وأن «الجار» فارسي أعجمي! وحرضوا نظام صدام على محاربته، ثم ألقوا به إلى حبل المشنقة الأميركي بعدما فكر بالانقلاب عليهم.
ولما منع النظام الثوري في إيران كتابات تعادي الشعوب وتنتقص منها، قام بعض المستكتبين في الصحف ذات النزعة الطائفية والعنصرية المروجة للشعارات الإقليمية الضيقة مثل «الأردن أولاً» و«لبنان أولاً» والتي لا تمت بصلة إلى العرب والعروبة التي أضحوا فجأة يغارون عليها، باستحضار تلك الكتابات وربطوها ظلماً بالنظام الإيراني الحالي، واستخدموها، عبر كتّابنا، للتحريض عليه. مع أنهم والصحف التي ينشرون فيها تحريضهم الطائفي والعنصري، ينطقون باسم أنظمة عشيرية متخلفة تنتمي إلى عصور الظلام ولا تعترف حتى بوجود شعوبها التي تطلق عليها اسم العائلة الحاكمة، بل تكفر مَن لا يتبع مذهبها.
قصدنا من نشر الكتاب إلقاء الضوء على تلك العلاقة وفتح باب النقاش أمام خضوع عربان أميركا لنظام الشاهنشاه، والمعاداة المجانية غير المسوغة للجمهورية الإيرانية التي لا نتفق بالضرورة مع سياساتها أو عقيدتها أو ممارساتها الملتبسة في العراق وأفغانستان وفي أمور أخرى، لكننا لا نعدّها عدوّة لنا نحن العرب، ونؤيد حقها في امتلاك الطاقة النووية، وحتى السلاح النووي.
لقد وقفت إيران الثورة إلى جانب قضايا شعوبنا العربية في مواجهة العدو الصهيوني المغتصب بلادنا وحقوقنا مع تحفظاتنا التي ذكرناها، وليس من مصلحة الأمة العربية معاداتها.
إن تجاهل بعض المعلقين على مؤلف «صورة العرب في الأدب الفارسي الحديث» هذه الحقائق الآنفة الذكر هو بمنزلة التشهير بالكتاب، وبدار النشر لأننا، جميعنا، نعرف أن قول نصف الحقيقة كذبة كاملة.
ولو كان لنا أي أمل في قضاء هذه الدول لتأملنا في مسألة الاستعانة به. لكن في ظل هذه الظروف المهينة التي يمر بها وطننا المنكوب، يبقى القراء وذكاؤهم ووعيهم مرجعنا وحكمنا وملجأنا. ولا حول ولا قوة إلا بالله.