حفلات صاخبة، فتيات يرقصن في وقت متأخر من الليل، ومشاهد غير مألوفة في قلعة دمشق... إنه «مهرجان ليالي موسيقى العالم» الذي جمع في تظاهرة واحدة جوني كليغ و«بينك مارتيني» وظافر يوسف وفوديل وآخرين
منار ديب
استضافت قلعة دمشق بين 16 و23 تموز (يوليو) مهرجان «ليالي موسيقى العالم في دمشق» الذي تنظّمه الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية. وقدَّم المهرجان أنواعاً موسيقية مختلفة آتية من أفريقيا وأوروبا وأميركا. الحفلة الأولى كانت لفرقة «تيناريوين» (من مالي) التي تجمع بين موسيقى الطوارق التقليدية التي تسمى «الأسوف»، والتي تعني الأسف والحنين، وبين موسيقى الروك. وعلى رغم السمعة الطيبة التي تتمتع بها الفرقة عالمياً، يلحظ أن النمطين الموسيقيين اللذين سعت إلى الدمج بينهما بقيا منفصلين في الواقع. ذلك أن الغناء الصحراوي التقليدي كان هو الأساس، فيما جاءت أنغام الروك مجرَّد زخارف، سعياً لإعطاء موسيقى تقليدية محلية بعداً عالمياً.
المغني الجنوب أفريقي جوني كليغ شارك «تيناريوين» الحفلة الأولى. ومن الشمال الأفريقي والصحراء الكبرى انتقلنا إلى جنوب أفريقيا، مع فنان بارز يحاول هو الآخر صناعة تركيبة موسيقية محلية ـــــ غربية. توليفة كليغ الذي ناضل بدوره ضد التمييز العنصري ونظام الأبارتهايد، ظهرت أكثر نجاحاً. وهو غنى بالإنكليزية وباللهجة المحلية، بمرافقة مغنين وراقصين أفارقة شاركهم الرقص. وهذه هي المرة الأولى التي يأتي فيها كليغ إلى المشرق العربي.
فرقة «بينك مارتيني» من الولايات المتحدة مع المغنية شاينا فروبز وعازف البيانو توماس لاودرديل، أعادت تقديم أغنيات غربية من أزمان وأماكن مختلفة، كموسيقى هوليوود في الخمسينيات، وأغان لاتينية وأوروبية شهيرة. وقدمت الفرقة هدية إلى الجمهور السوري، هي أداء أغنية «بكرا وبعده» لعبد الحليم حافظ.
وإن كان «مهرجان ليالي موسيقى العالم» يركِّز اهتمامه على ما يعرف بالـWorld Music، إلا أنه لا يمكن النظر إلى عمل «بينك مارتيني» كـ«وورلد ميوزك». فهو غربي المصدر، وخيارات الفرقة تدور ضمن الفلك الغربي مع التنوع فيها. لكن مجاورة هذه الموسيقى، لموسيقى ذات جذور محلية في مهرجان واحد، هي محاولة لإعطاء الانطباع بوجود شيء اسمه موسيقى عالمية.
والمراقب للمشهد الصاخب للحفلات الصيفية في قلعة دمشق، وقد حضرها جمهور كبير معظمه من الشباب، سيفاجأ بالأعداد الغفيرة للفتيات في ذلك الوقت المتأخر، ونوعية الأزياء التي يرتدينها، وبالرقص والإثارة، وبالمعرفة الجيدة بالأعمال الموسيقية التي تقدّم.
على هامش المهرجان، قدمت حفلتان مجانيتان في الليلة نفسها (علماً أن الأسعار كانت 10 دولارات جلوساً، و4 دولارات وقوفاً): حفلة موسيقى إلكترونية لأوليفر فريدلي وأيريس رينيرت من سويسرا، وحفلة لفرقة «باندو» الألمانية التي تقدم الإيقاعات عبر استخدام البراميل الفارغة، مع موسيقى إلكترونية ورقص.
ظافر يوسف كان الوجبة الموسيقية الأكثر دسماً في المهرجان، فتجربة هذا الفنان التونسي، تدمج بين الموسيقى الصوفية والموسيقى الإلكترونية والجاز.
ضمت الخلطة العجيبة للمهرجان، وجبة خفيفة، وخفيفة الظل، لنجم جماهيري هو الجزائري فوديل، حضرها الجمهور الأكبر في هذه الليالي. وأمير الراي مثَّل هذا الفن جيداً فقدم أشهر أغاني الراي، كبعض أغنيات الشاب خالد مثل «ديدي»، و«عايشة»، والأغنية المشتركة الشهيرة لفوديل ورشيد طه والشاب خالد «عبد القادر»، ورائعة دحمان الحراشي التي أعاد رشيد طه تقديمها «يا رايح وين مسافر».
الليلة الأخيرة كانت للمساهمة السورية في المهرجان، فها هي دمشق، مع الأسماء الموسيقية الشابة التي تخرج منها، ومعظمها من متخرّجي المعهد العالي للموسيقى... تتحول إلى عاصمة للـ world music. ومن أصلَح من المغنية الشابة لينا شاماميان والموسيقي باسل رجوب لإثبات ذلك؟ وخصوصاً أن لينا تتمتع بشعبية حقيقيّة في أوساط الشباب السوري، وهي تقدم مع رجوب التراث السوري بصورة جديدة. حفلة شاماميان تفوقت على حفلة فوديل بعدد الحضور، وقدمت فيها المغنية عدداً من أغاني ألبوميها، إضافة إلى أغنية جديدة بعنوان «الرحيل» كلمات الشاعر هاني نديم، وهي من ألبومها الجديد الذي يصدر قريباً. كما أهدت أغنيتها «شآم» للشهداء، في مناسبة تسلم سوريا لجثامين الشهداء السوريين والعرب التي أفرج عنها في عملية الرضوان. الختام كان مع المغنية أنجليك كيدجو من بنين التي تجمع في عملها بين البوب الأفريقي والجاز والموسيقى اللاتينية وتملك صوتاً وصفه المغني بونو بصوت جنوب الصحراء الأفريقية الساحر، وهي تتمتع اليوم بشهرة عالمية وقد نال ألبومها Djin Djin أعلى نسبة مبيعات في سوق موسيقى العالم في صيف 2007. الفنانة الأفريقية قدمت عدداً من أغاني التراث المحلي المحدثة، وأهدت الجمهور أداءً لأغنية فيروز «كانوا يا حبيبي» أسوة بـ«بينك مارتيني» التي قدمت «بكرا وبعده»، فالأغاني العربية يمكن إدخالها في سياق مغاير، وتحويلها إلى أغنيات عالمية.