strong>«هدفنا تقديم الخبر بلا تحاليل أو زيادة أو نقصان». هذا ما تراهن عليه المحطة الأوروبية التي تبدأ بثّها هذا المساء بلغة الضاد، مع ميزانية 5 ملايين يورو... بعد فشل محاولتها الأولى، هل تصمد «أورونيوز» هذه المرة في فضاء الشرق؟
صباح أيوب
في أوائل الشهر الماضي، واحتفالاً بالذكرى الـ15 على تأسيسها، أطلقت قناة «أورونيوز» الإخبارية في حفلة خاصة من العاصمة البريطانية، شعارها الجديد: دائرة بيضاء في أعلى الشاشة ترمز إلى «النقاء»، حسب تأكيد مبتكريه. فالفضائية التي تريد أن «تقدّم الأخبار فقط» من دون أي رأي أو تأثير على المشاهدين، وحتى من دون مذيعين ومذيعات... اختارت البياض لتعبّر عن حياديتها وتميّزها.
اليوم، عند الثامنة مساءً، تطلق المحطة الأوروبية من مركزها في مدينة ليون الفرنسية نسختها الجديدة باللغة العربية. أما موعد الإطلاق فهو ليس وليد صدفة، كما أكّد رئيس مجلس إدارة «أورونيوز» فيليب كايلا. ذلك أنه يتزامن مع تسلّم فرنسا رئاسة الاتحاد الأوروبي ومحادثات الشراكة الأورو ـــــ متوسطية، علماً بأن حفلة إطلاق القناة الوليدة اليوم، سيكون من «معهد العالم العربي» في باريس، على أن يشارك فيها سفراء ودبلوماسيون عرب.
بعد الفرنسية والإنكليزية والألمانية والإيطالية والإسبانية والروسية والبرتغالية، ها هي القناة الإخبارية الأوروبية توسّع بيكارها إذاً، لتبثّ هذه المرّة بلغة الضاد، متوجهةً إلى جمهور عربي واسع في الدول العربية، وإلى المشاهدين العرب في أوروبا.
وعلى رغم أنها ليست المحاولة الأولى لـ«أورونيوز» بالعربية، إذ خاضت التجربة سابقاً بين عامي 1997 و1999 (توقفت «لأسباب مالية»)، تزداد المغامرة اليوم خطورةً وصعوبة. فإذا كانت القناة قد تأسست عام 1993 لتنافس cnn وتشكّل ثقلاً أوروبياً مقابل الاحتكار الأميركي للسوق الإعلامي، فهي تجاهد حالياً لحجز مقعد لها في فضاء مكتظّ بعشرات المحطات الأجنبية التي قررت فجأة ـــ ودفعة واحدة ـــ غزو السوق العربية.
بين قناة «الحرّة» الأميركية، و«فرانس 24» الفرنسية و«بي بي سي» البريطانية و«روسيا اليوم» الروسية... (ولم تحقق أي منها الانتشار المتوقع)، ستخوض «أورونيوز» امتحاناً صعباً لتقديم ما هو مختلف وموضوعي، ناهيك عن الصعوبة الشديدة في اختراق مشاهدي «الجزيرة» و«العربية». وخصوصاً أن المشاهد العربي بات «انتقائياً» في اختيار مصدر أخباره.
ومع ذلك، لا ترى القناة الأوروبية في ما سبق عائقاً أمام بروزها كمحطة جديدة تتوجه إلى الفئة نفسها من المشاهدين. ومع دعم من المفوضية الأوروبية بعقد عمل لمدة خمس سنوات، وبميزانية تبلغ 5 ملايين يورو (من الميزانية الكاملة للمحطة التي تبلغ خمسين مليون يورو)، يرى مطلقو النسخة العربية في هذه الخطوة فرصةً ذهبية للتوجه إلى أكثر من 250 مليون مشاهد عربي، إضافة إلى 15 مليون مقيم في أوروبا. وبالتالي، استعادة البريق الذي فقدته أمام سطوة «بي بي سي» و«سي إن إن». ولتعزيز حضورها، أبرمت «أورونيوز» عقود شراكة مع تلفزيونات الجزائر وتونس والمغرب ومصر.
ولكن ما هي البرامج التي تراهن عليها المحطة؟ لن تقدم «أورونيوز» جديداً إلا على صعيد اللغة. إذ لا تنوي تخصيص برامج جديدة للمنطقة العربية، بل ستقتصر مهمّتها على بثّ الأخبار 24/24 ساعة مع فقراتها الإخبارية المعتادة: نشرة أخبار كل نصف ساعة وتحقيقات قصيرة حول المجتمع والثقافة والرياضة والاقتصاد، فضلاً عن فقرة «لا تعليق» الشهيرة مع مشاهد قوية عن أحداث الساعة تبثُّ من دون تعليق صوتي عليها. وهذه البرامج تتوجه إلى العالم العربي حالياً، إنما باللغتين الفرنسية والإنكليزية. وتنوي «أورونيوز» برمجة المزيد من المواضيع حول هذه المنطقة، لكنها ستبقى في المصاف الأول، محطة إخبارية دولية بحتة.
أما بالنسبة إلى الجسم الإعلامي، فيتألّف من 17 صحافياً ومراسلاً عربياً (مصر، تونس، البحرين، فلسطين، سوريا، لبنان، الجزائر والمغرب). ويترأسهم مراسل «أورونيوز» المصري محمد عبد العظيم الذي برز بسبب نشاطه في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً في تغطية الأحداث المتعلقة بالصراع الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني، وقد عمل في إذاعات محلية فرنسية قبل انضمامه إلى «أورونيوز». كما أنّ عدد العاملين (صحافيين وتقنيين) في المحطة سيرتفع بنسبة 12 في المئة.
يذكر أنّ القناة الإخبارية ستخصص مراسلاً لها في المنطقة، وهو أمر غير اعتيادي بالنسبة إلى سياسة المحطة التي لا تعتمد على مراسلين ميدانيين في الدول. ويرجّح أن يكون مقرّ مراسل «أورونيوز» في دبي أو الدوحة.
أما بثّ المحطة فسيكون على الأقمار التي تبثّ عليها حالياً على «أوربت» و«نورسات»، إضافة الى «عرب سات» مع إطلاق المحطة بالعربية.
أخيراً، يصرّ القيّمون على «أورونيوز» التي تبث في 130 دولة، على الحيادية والموضوعية... وعلى النقاء في نقل الأخبار. كما أن رئيس مجلس إدارتها فيليب كايلا، كان قد صرّح في أكثر من مناسبة بأنّ المحطة هي «للبالغين». إذ إنها تقدّم الأخبار فقط، من دون صبغة أو محاولة لإظهار الرأي أو التأثير على المشاهدين. و«الجميع مجمع على أن يكون لنا محطة إخبارية تقيم رابطاً بين أوروبا والعالم العربي... هدفنا نقل الخبر بموضوعية، ولا نريد تمرير أيّ رسالة سياسية إلى العالم العربي»، كما أكّد قبيل إطلاق المحطة في تصريح له أمس... فإلى أي مدى ستحافظ هذه المحطة على «نقائها» في ظلّ المنافسة الشرسة التي ستخوضها، وفي خضمّ التسابق على المعلنين لضمان وجودها واستمرارها لأكثر من 5 سنوات؟ وهل حقاً تهدف أوروبا فقط إلى الاستثمار في سوق الفضائيات العربية؟


... وعاصمتها القاهرة!

قبل بدء البث على الشاشة الصغيرة (اليوم)، قرّرت «أورونيوز» أمس، تخصيص زائري موقعها الإلكتروني بخدمة إضافية. إذ أعلنت أنّها ستتحول إلى العربية على صفحتها الإلكترونية، عند الساعة الثامنة من مساء أمس. هكذا، وبهدوء تام، ظهرت فجأة «ترويسة» اللغة العربية في طرف الصفحة لتنضم إلى اللغات الأخرى. وأصبح بالإمكان تصفّح الأخبار كلّها باللغة العربية، إضافة إلى الفقرات الإخبارية المترجمة. وهنا، لوحظ الإبقاء على فقرة no comment (من دون تعليق) كما هي، أي باللغة الإنكليزية وبلا ترجمة.
والصفحة العربية تشبه إلى حدّ بعيد زميلاتها، محافظة على تراتبية الأخبار والصور والتعليقات نفسها التي تظهر في بقية النسخ. أما الفارق الوحيد فهو في خانة «الطقس» التي تتغير مع تغيّر اللغات حسب كل دولة (الصفحة الإنكليزية تورد طقس لندن، والفرنسية باريس، والألمانية برلين...)، فكانت القاهرة هي عاصمة الصفحة العربية، وحددت أحوال الطقس فيها مباشرة على الصفحة الأولى.
ولكن زائري الموقع الإلكتروني لم يستطيعوا مشاهدة البث الحيّ للأخبار، ليتمكّنوا فقط من قراءة الأخبار ومشاهدة الصور في كل الفقرات، على أن يصبح بالإمكان مشاهدة البث الحيّ اليوم عند الانطلاق. ويذكر هنا أنّ المشاهدة من خلال الموقع، ليست مجانيّة!