نصف قرن، عاشت خلاله انتصارات وإخفاقات لا تحصى. الشاشة الرسمية التي احتلَّت يوماً موقع الريادة، لم يعد يشاهدها أحد: برامج متوقّفة، ميزانية ضئيلة، وأرشيف منهكٌ من كثرة التكرار. ويبقى الرهان على شبكة البرامج التي تنطلق قريباً، و«كَرم» الحكومة المقبلة
باسم الحكيم

قبل أيّام، مرّت الذكرى الـ 49 لانطلاقة تلفزيون لبنان بهدوء تام. لم تكلّف المحطة نفسها عناء تذكير المشاهدين بأنّ شاشة الوطن صار عمرها 49 سنة، وأنها بعد أشهر ستحتفل بنصف قرن على بدء بثّها (28 أيّار/ مايو 1959). ربّما لأنّ الحدث تزامن هذا العام مع المعارك الأخيرة التي شهدتها البلاد، وسبقه صدور قرار عن رئيس مجلس الإدارة إبراهيم الخوري، بإيقاف جميع البرامج إلى حين. ولم يكن في الإمكان الاحتفال بالعيد، إلاّ بساعات إضافيّة من الأرشيف، وبمزيد من إعادات الدراما والبرامج.
المحطة التي امتدّ عصرها الذهبي لثلاثة عقود وأكثر، عاشت انتصارات وانكسارات، ونجاحات وإخفاقات لا تنتهي. وبعدما كانت رائدة في تقديم الدراما التلفزيونيّة وبرامج المنوعات والسياسة، وبعدما توزّع إعلاميون انطلقوا عبر شاشتها إلى فضائيات العالم العربي... تحوّلت إلى منبر لتصفية الحسابات بين أقطاب الدولة في الموسم الانتخابي في انتخابات 2000. ولم تتأخر الضربة القاضية حتى جاءتها في شباط (فبراير) 2001، عند اتخاذ مجلس الوزراء قراراً قضى بإقفال التلفزيون، وصرف جميع موظفيه البالغ عددهم أكثر من 500، وذلك بعد إعطائهم تعويضات يرى الخوري أنها «أمّنت مستقبلهم»، لكنها في الواقع كانت تعويضات خياليّة أثقلت كاهل الدولة، وكانت كافية لاتخاذ قرار لاحق يقضي بعدم تخصيص موازنات ضخمة للتلفزيون الرسمي عند إعادة افتتاحه بصورة يُرثى لها في 25 أيّار (مايو) من العام نفسه، تزامناً مع عيد المقاومة والتحرير.
منذ ذلك الوقت، وتلفزيون لبنان «يعيش من قلة الموت». حتى مكاتبه لم تسلم من الرصاص الطائش في فترة الأحداث الأخيرة. رصاص كاد يودي بحياة المحامية ندى تلحوق. وقد نال مكتب رئيس مجلس الإدارة نصيبه أيضاً. في ظل هذه الظروف، اتّخذ الخوري قراراً مشابهاً لذلك الذي اتخذه قبل سنوات وزير الإعلام السابق شارل رزق. يومها، أراد رزق تحويل التلفزيون إلى قناة إخباريّة متخصّصة، على اعتبار أن من واجب تلفزيون لبنان «مواكبة اهتمامات الناس»، والناس برأيه يفتشون عن الأخبار. والخوري ارتأى المنطق نفسه، «إذ ليس منطقيّاً، أن يكون البلد في حال غليان ونحن نقدم برامج رقص وطبخ وما شابه ذلك». هكذا، أصدر مذكّرة إدارية قضت بتجميد جميع البرامج، ريثما تهدأ الأوضاع. وها هو يؤكد اليوم أن «التلفزيون بصدد تحضير شبكة برامج جديدة، ستنطلق في مطلع تموز (يوليو) المقبل، ونحن نعمل بخطى حثيثة وبسرعة قياسيّة، لنتمكن من ابتكار برامج جديدة ومختلفة». وحتى يحين ذلك الموعد، يستمر التلفزيون ببث الإعادات، فلماذا لا تستعاد بعض البرامج بينما تكتمل التحضيرات للشبكة الجديدة؟ يرى الخوري أن «هذه البرامج خدمت عسكريتها، ونحن حريصون ـــــ في انتظار البرمجة الجديدة ـــــ على تقديم مادة مفيدة». ويسأل: «ما الضرر في استعادة أعمال فنية راقية؟ هل يُعقَل أن نرميها ونرفض استخدامها، حتى في فترة انتقاليّة موقتة؟ وهنا، ينفي «نفياً قاطعاً ما يتردد من أن التلفزيون، بصدد إقالة موظفين»، مشيراً إلى أن «بعضهم يحاول التشويش علينا. وإذا كان المقصود من هذا الكلام أولئك الذين يتعاونون معنا في بعض البرامج... فجميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، تتعامل مع مجموعة من الـFreelancers الذين يقبضون على الحلقة، وليس منطقيّاً أن يستمر برنامج مدّة تزيد على ثماني سنوات» غامزاً من قناة برنامج «صباح الخير يا لبنان». ويستدرك: «هل علينا أن نظلّ تحت رحمة مجموعة من المتعاقدين دوماً؟ ألا يحق لنا أن نجدد ونطوّر؟».
ويعود الخوري إلى قرار مجلس الوزراء الذي أوقف التلفزيون في عام 2001، «بهدف تطويره»، ويوضح: «عندما عدنا بعد ثلاثة أشهر من التوقف عن العمل، وقعنا تحت ضغط السرعة، وواجهتنا ميزانيّة ضيّقة جدّاً، لا تتجاوز 120 ألف دولار في الشهر، ثم ارتفعت مع الوقت. إلّا أن المحن والأوضاع الصعبة التي عصفت بلبنان، عرقلت المشروع في ظل المال الشحيح المرصود لنا، وخصوصاً أنّ هذا المبلغ لا يكفي لإنتاج برنامج منوعات شبيهة بتلك التي تعرض على بعض التلفزيونات اللبنانيّة والعربيّة». ويرى أن «التلفزيون يحتاج إلى كرم وصرف بالمعنى الإيجابي، ولا أعني الهدر. غير أن دولتنا ترصد لنا ميزانية شهريّة ضئيلة، وصلت اليوم إلى حدود 220 ألف دولار، ما يجعلنا نختار برامج تملأ الهواء بأقلّ تكلفة ممكنة». ويأمل الخوري أن تتغيّر الأوضاع قريباً، مع تأليف الحكومة الجديدة، «فيصرف على التلفزيون وتخصّص له ميزانية ليتمكن من أداء دوره الوطني من منطلق إيماننا بضرورة الوحدة بين اللبنانيين والعيش الواحد، لا العيش المشترك، علماً بأننا ما زلنا نؤدي دورنا الوطني بالإمكانات المتاحة».
ورغم الشحّ المالي، جهّز التلفزيون باستديوات جديدة لمحطتي الحازمية وتلة الخيّاط، بعضها كانت هبات من حكومات غربيّة كالهبة التي قدمتها الحكومة اليابانيّة من أجل تجهيز استوديو ضخم في الحازمية، وبعضها الآخر اشتراه التلفزيون بالتقسيط، إضافة إلى «تمكننا من شراء سيارة SNJ للنقل المباشر. كما يتواصل العمل على ترميم الأرشيف، وما زال هناك بضعة آلاف من الأشرطة القديمة التي تحتاج إلى النسخ».
ويبقى الرهان على الحكومة المقبلة... فهل ستكرم التلفزيون وتعيد إليه صورته المشرّفة، وبشكل قادر على المنافسة مع الفضائيات الكبرى؟ أم سيبقى محروماً، كما هي حال بعض القنوات الرسمية العربيّة التي تحولت إلى مرتع لبرامج لا يتقبلها الجمهور ولا ترضيه.


الموظفون يقاضون المحطة

وسط كلّ المشاكل التي تتخبّط فيها المحطة الرسمية، عقد مجلس نقابة موظفي تلفزيون لبنان أمس اجتماعاً للبحث في مشاكل عدة يعانون منها، لعل أبرزها التأخر في دفع رواتبهم.
بعد انتهاء الاجتماع، عمد هؤلاء إلى رفع دعوى قضائية على مجلس إدارة التلفزيون لتحصيل حقوقهم، على أن تعقد الجلسة القضائية الأولى غداً، وفق ما أكد مصدر مقرّب من المحطة.
وكان موظفو التلفزيون قد أصدروا بعد اجتماعهم، بياناً، تناولوا فيه: «التأخير الحاصل في دفع رواتب الموظفين بسبب حجز قضائي على أموال الشركة... كأن راتب الموظف أصبح مستهدفاً، وبات هاجسه الاستحصال على راتبه، أو ما بقي من راتبه، في ظل تعدّيات مجلس الإدارة غير القانونية على هذه الرواتب. وهي أصلاً دون الحدّ المطلوب في هذه الظروف المعيشية الصعبة...».
وجاء في البيان أنّه «أمام تكرار الحسومات من رواتب الموظفين من دون وجه حق واقتطاع مستحقات أدوية وطبابة عائدة إلى عام 2001، دون أي مسوغ قانوني، والتأخير المتكرر وغير المقبول في دفع الرواتب... وبعدما طالبت النقابة تكراراً ومراراً بإعادة هذه الحقوق، معتمدة أساليب سلمية، تؤكد أنّه لم يعد لديها إلا اللجوء إلى تصعيد الخطوات في كلّ الاتجاهات التي تعيد حقوق الموظفين المشروعة: أولها تحرك في اتجاه كل المسؤولين لإطلاعهم على أوضاع الموظفين ومعاناتهم، من دون إغفال الوسائل القانونية واللجوء إلى وزارة العمل، وتالياً الاعتصام والإضراب لإزالة الغبن اللاحق بالموظفين». وقد حاولت «الأخبار» من دون جدوى الاتصال بالخوري
ـــــ بعد صدور البيان ـــــ لمعرفة وجهة نظره.