فراس خطيبيبدو جليّاًَ أنَّ زعبي («جدارية» و«قصص تحت الاحتلال») الذي صمّم الديكور أيضاً، استثمر جهودَه الإخراجية في الممثّلين الثلاثة... فإذ به يدفعهم إلى حدودهم القصوى. وقد قمَّش المشاهد المسرحية بسينوغرافيا بسيطة ودياميّة في آن (أي سهلة ــــ ممتنعة)، متجاوزاً الإمكانات الإنتاجية الشحيحة، ومرتقياً بالخشبة إلى لوحة جميلة تتخللها خطوات راقصة على موسيقى الـ«فالس».
أما اختيار «عطسة» واجهةً للعمل، فلم يأت من فراغ. إذ كانت الأفضل من بين المسرحيات الثلاث. أعدَّها نيل سايمون عن «موت موظف» لتشيخوف وترجمها عامر حليحل. نقلت «عطسة» المواقف الكوميدية الناتجة من سوء تفاهم بين الشخصيات، ورصدت لقاء صدفةٍ في أحد المسارح بين تشردياكوف (سليمان) الموظف في دائرة الحدائق، والجنرال المسؤول في الدائرة (حليحل). يعطس تشردياكوف رغماً عنه، فيتطاير رذاذه على الجنرال. هكذا تشكّل العطسة مفترقاً حاسماً في حياته، يغرق بعدها هذا الموظف البسيط في سيناريوات مأساوية وحملات مكثفة من الاعتذار للجنرال، متخيّلاً أنّ رسالة طرده من العمل آتية في الصباح. لكنَّ الجنرال يعدّ العطسة حدثاً «عابراً»، فيما يعيش الموظف حرباً داخلية تتفاقم خلالها «اللا مشكلة» إلى حدود «اللا حل».
أمّا «الدبّ» فتناولت نوعاً غير مألوف من الحبّ والعشق بدأ بخصومة بين رجل وامرأة يتبارزان بالسيف، وانتهى بتفجّر شعلة الحب بينهما. هكذا، انفجر الحب من قلب الغضب، فوضع الخصمان السلاح جانباً، واستبدلاه بقبلة فرنسية!
المسرحية الأخيرة، «خطبة» وقعت أحياناً في الانجرار وراء الكوميديا السطحية. وعلى الرغم من أنّها نجحت فعلاً في إضحاك الجمهور أكثر من سابقتيها، لكنَّها في المقابل، وضعت حاجباً أمام الجمهور، ولم تتوغّل في خلفية الشخصيات الثقافية والاجتماعية والعلاقات في ما بينها.
لا شك في أنّ «عطسة ومسرحيات أخرى» هي تجربة نادرة على الساحة الثقافيّة في الداخل الفلسطيني، لكنَّها ليست الأولى. إذ سبق أن أنتج «مسرح الكرمة» مسرحيتين في أمسية واحدة («الجلاد والمحكوم عليه بالإعدام»، «الرجل الذي فكّر لنفسه» 1989، تأليف فتحي رضوان وإخراج سليم ضو).
من المؤسف أنّ «عطسة ومسرحيات أخرى» لم تستقطب جمهوراً واسعاً حتى اليوم، بسبب الإمكانات الإنتاجيّة (الفرديّة) المحدودة التي تقف حائلاً دون القيام بتسويق جيّد للعمل. لكنَّها تستحق المشاهدة بالتأكيد، لكونها تؤكد إمكان خلق مسرحٍ جيّد بالحد الأدنى من الإمكانات والأدوات... ومن دون احتفاليات ضخمة.