لم يكن غريباً أن تتقدّم النجمة الفرنسية كاترين دونوف، أول من أمس، صفوف المشاركين في مراسم تشييع «أمير الموضة». أليست هي ملهمته، وأيقونة دار أزيائه الشهيرة؟ ذلك المصمّم الفرنسي العالمي عمد خلال ستينيات القرن الماضي إلى إثارة الدهشة، عبر طرحه فكرة المساواة بين الرجل والمرأة، فكان أول من يطلق البذلة الرسمية («السموكن») للنساء مع ربطة العنق ما أثار استياءً كبيراً آنذاك بين الأوساط الأرستقراطية التي عدّت السروال الضيقّ انحطاطاً اجتماعياً. لكن سرعان ما اكتسب YSL ثقة النساء شرقاً وغرباً، فأقبلن على مجموعاته بلا ترددّ.. وفي السبعينيات، حرر الرجل من عقدة الاختباء وراء الثياب والمعاطف. هكذا، ظهر عام 1971 عارياً إلاّ من نظّارات سوداء في إعلان ترويجي لأحد عطوره.
وإن كان عام 2002 مثّل محطة اعتزاله الأخيرة، فإن نفحات أسلوبه ما زالت متأججة على خشبات العروض الباريسية: «البوليرو» و«التوكسيدو الأنثوي» و«الظهر العاري»... كلّها معالم التجديد لدى إيف سان لوران.
في عام اعتزاله، قدّم عرضاً استعادياً لابتكاراته الشاملة على مدى أربعين عاماً، ثم توقّف ليصبح اسم الدار «مؤسسة بيار بيرجيه ـــ إيف سان لوران».
مجموعات YSL على مدى عقود خلت، عكست تأثّره الشديد بلوحات فان غوغ وبيكاسو، مع إضفاء لمسات شديدة الخصوصية في تمازج الألوان. ومتابعو الموضة يذكرون تماماً حين قدّم على أجساد عارضاته خليطاً بين البرتقالي والفوشيا. لكن ألا يتصدّر هذان اللونان قائمة الموضة الرائجة حالياً؟ بالطبع، استطاع إيف سان لوران أن ينتزع لقب «صانع الموضة» بامتياز. وليس اعتباطياً أن يقال إنه آخر فرسان هذا العالم الساحر، وما بعده ليس سوى امتداد لإيحاءاته المبتكرة.
كذلك، جاءت تشكيلات الملابس الجاهزة التي وقّعت باسم المصمم ستيفانو بيلاتي، لمواسم عدّة، ترجمة لرؤية صاحب الدار الأصلي إيف سان لوران مع بعض التعديلات الطفيفة. إذ تصدرت خشبة العرض الألوان الزاهية بتداخلاتها الغريبة والتايورات المؤلفة من القمصان الشفافة والسراويل الضيّقة.
إيف سان لوران الذي شغل العالم برحيله، والمولود في مدينة وهران ـــ الجزائر عام 1936، عاش حياة صاخبة، بدأت أولى محطاتها عام 1954 حين انتزع المرتبة الأولى في المسابقة الدولية للتصميم، واستلم على إثرها دار «كريستيان ديور» للأزياء. بعدها، التحق بالخدمة العسكرية في الجزائر، وعاد إلى باريس ليفاجأ بأن لا مكان له لدى ديور. ثم أسس عام 1962 داراً تحمل اسمه، مطلقاً الماركة عالمياً. وعلى رغم تعرّضه لأزمة مالية حادة عام 1992 اضطّرته لبيع الماركة إلى مجموعة «سانوفي» للتجميل، استمرّ مشرفاً عليها حتى اعتزاله عام 2002، رافقت ذلك شائعات كثيرة، تحدّثت عن معاناته الشخصية وإدمانه المخدرات. وقد تحوّلت الماركة لاحقاً إلى شركة «غوتشي» ثم «لوريال».
يقول إيف: «لا شيء يضاهي جمال الجسد العاري، وأجمل ما يمكن للمرأة أن ترتديه هو ذراع من تحب. أنا موجود للواتي لم يحالفهن الحظ في إيجاد السعادة». لذا، كان الخيار الأول لنجمات هوليوود و«كان»: كاترين دونوف، بريجيت باردو، أودري هيبورن، كلوديا شيفر ونعومي كامبل. كما تعاقد مع العارضة الغينية السوداء كاتوشا التي كسرت احتكار الشقراوات للمهنة أواخر الثمانينيات.
إيف خطفه المرض قبل أن يشهد على إطلاق الحملة الإعلانية لماركته لعام 2009، مع العارضة الأغلى في العالم كيت موس. وهذا الموسم، سيكتسب السروال الضيّق لدى النساء على شكل «توكسيدو»، أهميةً بالغةً لم يشهدها منذ أن طرحه إيف في السبعينيات.