المجتمع المصري بين الـ «كازينو» والـ «كباريه»حالياً على الشاشة في مصر: عنف وتعذيب وفساد وبلطجة. أفلام تناقش قضايا أو تدّعي ذلك، وأخرى تلعب على القضايا... وشركة «غود نيوز» رفعت سقف الإنتاج مع «فيلم الأربعين مليون جنيه». والسينما تبدو الخاسر الأكبر
محمد خير
مع حلول موسم الصيفي المصري، لم يعد السؤال النقدي المطروح يتعلّق بمستقبل «صناعة» السينما، بل بمستقبل «الفن السابع» في القاهرة. إذ إنّ مفردات كالفن والرؤية السينمائية والطموح الإبداعي، باتت عناوين عريضة لحالة من القلق الجماعي الذي تتصاعد وتيرته بشكل مواز لازدهار مفردات الصناعة ورواجها: حجم الإنتاج، عدد الأفلام، دور العرض والشركات الجديدة... ولعلّ هذه المفارقة من خصوصيّات السينما المصرية، إذ تنفرد بها على عكس نظيراتها في أنحاء العالم، حيث يرتبط ازدهار الفن حكماً بانتعاشة الصناعة.
18 فيلماً جديداً بكلفة 220 مليون جنيه (42 مليون دولار)، بدأ عرض بعضها في القاهرة، ويستمر العرض تباعاً حتى نهاية الموسم الصيفي. وهذا الموسم يتقلّص سنة تلو أخرى، بسبب اقتراب شهر رمضان، وإذا أضفنا اقتطاعاً آخر من جمهوره، لمصلحة بطولة كأس الأمم الأوروبية، فسيزداد الموسم ضراوة ويعمّق خسائر المنتجين الذين لن يجمَعوا أبداً من شباك التذاكر ما يعوّض كلفة أعمالهم. والسبب بسيط: يتنافس هؤلاء على كعكة إيرادات لن تتجاوز، في أفضل تقدير، 140 مليون جنيه (حوالى 25 مليون دولار). على كل حال، ما زالت هناك الحقيقة السينمائية المعروفة «لا يوجد فيلم خاسر». إذ إنّ التوزيع الخارجي وبيع حقوق الفيديو/ الـ DVD، والأهم حقوق العرض على الفضائيات، هي مصادر دخل من شأنها أن تعوّض على المنتج أكثر مما أنفقه، ولو على مدى أطول. وحقيقة أنّ الفيلم يجمع كلفته في النهاية ازدادت رسوخاً مع انتشار الفضائيات وتنافسها على حقوق العرض الحصري للأفلام الجديدة، ما شجّع عدداً كبيراً من المموّلين على دخول السوق السينمائية، مباشرةً أو عبر وسطاء وموزعين أكثر خبرة.
ثمة أفلام تناقش قضايا، وثمة أفلام تدّعي أنها تناقش قضايا، وثمة أفلام تلعب على قضايا معيّنة من دون أن تناقشها حقاً. والخيط الجامع بين تلك الأنواع الثلاثة مرتبط بالحالة التي سيطرت تدريجاً على قسم من السينما المصرية في الموسمين الماضيين، ودفعت بصنّاع السينما إلى تقديم «باقة» كاملة من قضايا العنف والتعذيب، الفساد والبلطجة وإفرازات العشوائيات.
وإلى ذلك النوع من السينما، ينتمي فيلم «الغابة» الذي افتتح الموسم الصيفي. أينعت فكرة الفيلم في عقل مخرجه أحمد عاطف قبل أكثر من سبع سنوات، لكنّها لم تبصر النور إلا في بداية الموسم الحالي. الفيلم الذي كتبه المخرج بالتعاون مع ناصر عبد الرحمن، يدور في عالم أطفال الشوارع الذي لا تحكمه سوى قوانين «الغابة»، وهو من بطولة باسم السمرة وأحمد عزمي، ريهام عبد الغفور وحنان مطاوع. وهذا الشريط الذي يعرض على 20 شاشة، لم يُكلِّف أكثر من 4 ملايين جنيه، أي واحد على عشرة من كلفة الفيلم «الأضخم إنتاجاً في تاريخ السينما المصرية» ــــ أي «ليلة البيبي دول» الذي بدأ عرضه أخيراً. لكنّ الفارق المخيف في الكلفة، لم ينعكس فارقاً فنياً بين الفيلمين، حتى إنّ النقد انحاز إلى «الغابة»، وخصوصاً في ظل العمل الصعب مع أطفال شوارع حقيقيين، شاركوا تمثيلاً في الشريط.
أمّا «البيبي دول» الذي سوّقته الشركة المنتجة «غود نيوز» على غرار فيلمها الأسبق «عمارة يعقوبيان»، فقد بدا أقرب إلى هديّة عائلية لرحيل مؤلفه عبد الحي أديب، شيخ كتاب السيناريو. وبعدما لم يقدّم ابنه المخرج عادل أديب فيلماً يساوي غيابه تسع سنوات، قضاها مشغولاً بإدارة شركة العائلة، إذا به يدلي بتصريح لوكالة «فرانس برس» يؤكد فيه أنه لم يكن ينوي العودة إلى الإخراج «لولا أنّ هذا الفيلم يمثّل بالنسبة إليّ وصية والدي». الوصيّة، الإنتاج الأضخم، وسائل الدعاية الحديثة، الضجّة في مهرجان «كان»، كلها مكتسبات لفيلم الأربعين مليون جنيه بعيداً عن الفن. ويضاف إليها عودة عدد من الفنانين الكبار إلى شاشة السينما، أهمهم محمود عبد العزيز ونور الشريف، والمفاجأة؟ الفيلم ليس سياسياً بأي شكل «على رغم لقطات أبو غريب»، ولذا، من الخطأ أن نتناول بجدية فيلماً لا يتناول شيئاً بجدية.
عودة النجوم الكبار إلى السينما هي أيضاً مكسب فيلم «حسن ومرقص» الذي يجمع عادل إمام مع عمر الشريف، وهو حدث بحدّ ذاته. والمعروف أن خلافاً نشب بين مؤلّف الفيلم يوسف معاطي ومخرجه شريف عرفة، فما كان من إمام إلا أن انحاز إلى معاطي، رفيق أعماله الأخيرة... وانسحب شريف عرفة من المشروع ليُسنَد الإخراج إلى رامي نجل عادل إمام. الفيلم يؤدي فيه الزعيم دور القس «مرقص» الذي يضطر إلى التنكّر باسم الشيخ حسن، ما يصنع المفارقات الكوميدية. كلّف الفيلم 30 مليون جنيه ليحتل المرتبة الثانية في حجم الإنتاج، وهو ــــ بالطبع ــــ من إنتاج «غود نيوز» أيضاً، الشركة التي تحاول، كما تدّعي، التأسيس للإنتاج الضخم في مصر.
فيلم عادل إمام سيقتسم الإيرادات بالمثالثة مع فيلمين آخرين، هما «بوشكاش» لنجم الكوميديا محمد سعد الذي أنزله أحمد حلمي عن عرش الإيرادات، ثم «فاصل شحن» لحلمي نفسه، وهو كالعادة كوميديا خفيفة، كتبها الشاعر أيمن بهجت قمر للمخرج خالد مرعي. تدور هذه الكوميديا حول شاب يواجه الحياة وحيداً، من دون أدنى خبرة، بعد وفاة والده. أما فيلم سعد فأخرجه أحمد يسري، واشترك في كتابته هشام ماجد وأحمد فهمي، وأنتجه «السبكي» بكلفة 20 مليون جنيه، ليحتل المركز الثالث إنتاجيّاً في موسم الصيف. إلا أنّ نصف الميزانية مخصصة لأجر محمد سعد وحده (!) الذي يؤدي في فيلمه دور بوشكاش وهو سمسار لاعبي كرة قدم. والميزانيّة نفسها (20 مليوناً) بلغها فيلم «الديللر» للنجم أحمد السقا من تأليف مدحت العدل، وإخراج خالد مرعي، وإن كان من المستبعد أن يلحق بالموسم الحالي.
ويتشوق كثيرون لمشاهدة فيلم «كازينو» الذي كان اسمه «الريس عمر حرب»... فالفيلم أول تعاون بين المخرج خالد يوسف، والسيناريست هاني فوزي صاحب رائعة «بحب السيما». والشريط الذي يتشارك في بطولته هاني سلامة وخالد صالح وسمية الخشاب، كلّف 12 مليون جنيه، وينزل دور العرض اليوم بعد أسبوع على عرض فيلم آخر يتشابه معه في الاسم والمضمون، وهو «كباريه» للمخرج سامح عبد العزيز، بطولة فتحي عبد الوهاب وخالد الصاوي وهالة فاخر. ويحاول كلا الفيلمين تقديم تناقضات المجتمع من خلال «الكازينو» و«الكباريه»... الأمر الذي سيفتح الباب لمقارنة جدية ضرورية بينهما.


إنتاجات أقلّ «ضخامة»من جهة أخرى، يقدم تامر حسني فيلمه الصيفي «كابتن هيمة» للمخرج نصر محروس (هو نفسه منتج الكاسيت). ومصطفى قمر يقدّم «ما فيش فايدة» للمخرج حاتم فريد. المخرج أحمد البدري يقدّم «نمس بوند» مع النجم هاني رمزي. أما المخرج وائل إحسان فيقدّم مع المطرب حمادة هلال فيلم «حلم العمر» عن قصة الملاكم اليمني الشهير نسيم حميد. بينما يتقاسم نور الشريف وأحمد عز بطولة «مسجون ترانزيت» للمخرجة ساندرا نشأت.
وتأتي تلك الأفلام لتتسلّم شاشات العرض من الأفلام التي كانت تشغلها، وهي أفلام ذات طابع شبابي في مجملها، على رأسها «ورقة شفرة» الذي يتقاسم بطولته مع أحمد الفيشاوي عدد من الوجوه الجديدة التي قدّمت قبل سنوات تجربة مستقلة لاقت نجاحاً بين الشباب، تحت عنوان «رجال لا تعرف المستحيل».