هيثم خزعلبعربته الخشبية القديمة كان محمد هوانا يجوب كورنيش بيروت البحري ويتنقّل بين الأحياء الشعبية للمدينة منادياً «غزل البنات» جاذباً الفتيان والفتيات في الشوارع المتداخلة... يغزل محمد بماكينته التي تعمل على المانيفيل خمس قطع أو أكثر يزيّن بها الواجهة الزجاجية لعربته التي تكتسي باللون الزهري الفاقع.
«غزل البنات» و«غزل «الصبيان» من منا لم يحمل ذاك الكيس البلاستيكي الشفاف وفي داخله «غيمة من سكر» زهرية اللون طيبة المذاق؟!. الحلوى تركية الأصل، انتقلت إلى الشام قبل أن تصل مع محمد إلى بيروت في أوائل ثلاثينات القرن المنصرم.
ورّث محمد هوانا، السوري الأصل، تصنيع الغزلة لأبنائه الخمسة وبدورهم نقلوا الكار إلى أولادهم. محمد أحد الأحفاد (44 عاماً)، كان عمره ثماني سنوات حين بدأ يساعد والده على تصنيع الغزلة أوائل السبعينات. فنظراً لتردّي الأوضاع الأمنية في تلك الفترة كان أبو محمد يفضّل تعليم ابنه المهنة في المعمل القريب من المنزل على إرساله إلى المدرسة البعيدة عنه. وهكذا تنقّل محمد مع والده بين طرابلس والبقاع وبيروت شتاءً، والجبل صيفاً، حيث الجو البارد، إذ إن الغزلة تحتاج إلى البرودة حتى لا «تسوح». الجدّ كان يغزل بماكينته على المانيفيل. أما أبو محمد فقد استطاع بمساعدة صديقه الإيطالي تصنيع ماكينة تعمل على الطاقة الكهربائية.
واليوم طوّر محمد الماكينة وزاد من سرعتها. والغزلة صنفان، يشرح محمد: حمراء وهي كناية عن سكر وصبغة ونكهة (فانيليا أو ماء الورد) تعلّب في أكياس بلاستيكية وبيضاء وهي كناية عن طحين محمّص وسكر، حيث يتم تسخين الطحين لتفادي الرطوبة ثم يخلط مع السكر المغلي في مكان معزول عن الهواء. تصب الخلطة في قوالب حديدية ثم تقطع يدوياً بشكل متساوٍ لتعلّب بعدها في علب بلاستيكية وتزيّن بالفستق الحلبي.
تصنيع الغزلة لا يحتاج إلى مصنع كبير بل إلى مكان للآلة فقط، ولكنه عمل متعب ويستلزم جهداً كبيراً إذ إنّه ما زال يدوياً. اختفت عربات الغزلة وباعتها الجوّالون من أزقّة بيروت لتبقى الحلوى المفضّلة لدى أطفال المدينة متوافره في الدكاكين ومحالّ الحلويات.
يملك محمد مصنعاً متواضعاً في منطقة المريجة في ضاحية بيروت الجنوبية ويملك أولاد عمه، الذين علّمهم المهنة، مصنعاً آخر في رأس النبع. يجري التصنيع والتعليب ثم توزّع الغزلة في بيروت وصيدا وصور، ويصدّر قسم قليل منها إلى أمريكا وألمانيا.
نقل محمد سر تصنيع الغزلة إلى مصر حيث أسّس مصنعاً لأحد أصدقائه وآخر في دبي، أما في لبنان، فالسر لم يتعدّ أفراد العائلة. صناعة الغزلة فنّ، فكثير ممن تعلّموا صناعتها فشلوا في فتح مصنعهم الخاص «لأن التصنيع يدوي وبدو نفس طيب» كما يقول محمد، الذي يحلم بتصنيع ماكينة لإنتاج الغزلة البيضاء بعدما أضناه التصنيع اليدوي الذي يحتاج إلى مجهود كبير.
«بالأمس كانت قطعة الغزلة بفرنك، أما اليوم فأصبحت بخمسمئة ليرة. ومردودها لا يكفي» يوضح محمد. ولكن المصنّع الشاب مستمر بالغزل والبيع على الرغم من المنافسة الكبيرة التي تتعرّض لها الغزلة من منتجات مستوردة.