ظلَّ محمد خضير (البصرة ــــ 1942) حتى سنوات قليلة شبه مجهول في الثقافة العربية، مع أنّ نصوصه السردية استرعت باستمـرار انتباه الكثير من النقّاد والكتّاب العرب وأولهم غسان كنفاني الذي كتب عن إحدى قصص خضير مشيداً بخصائصها الفنية. منذ أوائل السبعينيات، وجد النقاد أنّ في كتابات خضير مزجاً غريباً بين الطاقة الروحية والمزاج الشعري والوعي الثقافي. لكن تلك الكتابات لم تقرّبه من القارئ العربي، بل إن فوزه بجائزة العويس عام 2003 لم يجلب له شهرة إضافية، ولم يكن ذلك مما يعنيه أو يمثّل هاجساً له. إنه مقلّ في الكتابة، صبور، يجد في عزلته بُعداً إضافياً يغني رؤيته ويحفزه على البحث في أركيولوجيا المكان، مثلما يُساعده على الكشف عما تخفيه طبقات اللاوعي والتاريخ والعقائد والتناقضات وشطحات العقل الإنساني. منذ كتاباته الأولى التي نشرها أوائل الستينيات، لم يصدر خضير سوى سبعة كتب أو ثمانية. مجموعته القصصية الأولى «المملكة السوداء» (1972) أحدثت انعطافةً في السرد القصصي العراقي، ونقلته من مرحلة الجموح الغريزي إلى مرحلة الوعي بعناصر الواقع، ودراما الكائن الإنساني. أما مجموعته القصصية الثانية «في درجة 45 مئوي» (1978)، فقد كرّست مزايا لعبته الحقيقية ككاتب: مراقبة دقيقة للواقع وأشكال مشحونة بالتساؤلات ومرايا نصّية حافلة بالرؤى الغامضة وهذا ما جسدته ــــ وإن تم ذلك بملامح أسلوبية أخرى ــــ مجموعته الثالثة «رؤيا خريف» (1995) التي عبّرت عن كآبات الواقع العراقي وإنهياراته، بين حربي الخليج الأولى والثانية، أما في كتابه «بصرياثا» (1993)، فحاول أن يجمع بين الوجه التاريخي لمدينته الأثيرة البصرة، مستعيراً اسمها القديم، وبين حاضرها الضاجّ بالأخطاء والتناقضات... ليقيم «يوتوبياه» الخيالية. أما روايته الوحيدة «كرّاسة كانون» (2001)، فلم تخرج عن مجمل مشاغله في نصوصه القصيرة. علماً بأنّ الرواية كانت أشبه بتقرير كولاجي عن نصوص ورسوم تأمّلها الكاتب وأعاد صياغتها.
ظل محمد خضير دائماً أشبه بناسك لا يريد من الكتابة سوى طمأنينة الروح، ومتعة البحث التي تأخذه بعيداً، ثم تعيده إلى مدوّناته ليواصل نحتها بصبر وجرأة وتجرّد.