strong>بعد أشهر من إقرار «مبادئ تنظيم البث والاستقبال الفضائي الإذاعي والتلفزيوني»، حان الوقت لتفعيل دورها على الأرض. غداً، يُعلن وزراء الإعلام العرب آلية تطبيق الوثيقة الشهيرة... فأي «مفاجآت» يحملون إلينا هذه المرة، ومتى تدخل مقرراتهم حيّز التنفيذ؟
فرح داغر
بعد جلسات الاستماع التي نظّمتها «اللجنة الدائمة للإعلام العربي» في جامعة الدول العربية الشهر الماضي، وهدفت إلى معرفة تحفّظات ووجهات نظر ممثلي الفضائيات العربية العامة والخاصة من «وثيقة تنظيم البث الفضائي» التي صدرت منتصف شباط (فبراير) الماضي، وأثارت جدلاً لم ينته... وبعدما عقدت اللجنة العليا للتنسيق بين القنوات الفضائية العربية، اجتماعها الدوري الثالث عشر في تونس يومي 12 و13 حزيران (يونيو)، وناقشت خلاله الوثيقة الشهيرة (راجع البرواز)... جاء اليوم دور ممثلي الحكومات العربية الذين يعقدون اجتماعات في مقر الجامعة العربية في القاهرة، ويدرسون مقترحات، تهدف إلى وضع آلية لتنفيذ وثيقة تنظيم البث الفضائي التلفزيوني والإذاعي.
وكان ممثلو الحكومات العربية قد بدأوا اجتماعاتهم أول من أمس، بهدف الاتفاق على آليات قانونية وفنية، تفرض رقابة محكمة على عمل القنوات الفضائية التي تبث من الدول العربية. وقد قُدمت خلال الاجتماعات التي تختتم اليوم، اقتراحات مفصلة تهدف إلى إيجاد أطر، يتفق عليها المجتمعون، قبل عرضها على وزراء الإعلام العرب، للمصادقة عليها في اجتماعهم يوم غد.
ولأن ممثلي الحكومات ينقلون وجهات نظر وزارات الإعلام في بلادهم، جاءت الاقتراحات، حتى الآن، متشابهة في ما يخص تضييق الخناق على الفضائيات العربية. هكذا مثلاً، دعا الاقتراح الجزائري الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، إلى وضع أحكام تشريعية تتطابق مع ما تنص عليه الوثيقة. إضافة إلى فرض احترامها من المؤسسات الإذاعية والتلفزيونية العربية. كما شدد هذا الاقتراح على إنشاء سلطة ضبط عليا، للرقابة على البث السمعي البصري، «تسهر على احترام مبادئ البث الفضائي»، كما أفادت «يو بي آي».
ووفقاً لاقتراحات الوفد الجزائري، فإن الدول العربية تكوّن مجلساً للاتصال السمعي ـــ البصري، ينظر في شكاوى تقدمها الحكومات «المتضررة» من بث برامج، تراها مسيئة لها. على أن يعمل المجلس على إيجاد حلول «مُرضية» لطرفي النزاع. إضافة إلى تأليف لجنة تنسيق، تربط بين كل الأطراف الحكومية المعنية بالبث.
وقد ربط مجتمعون بين المقترح الجزائري، والعلاقة المتوترة التي تتجدد كل فترة بين الحكومة الجزائرية وقناة «الجزيرة» القطرية، وخصوصاً الأزمة الأخيرة التي أثارت زوبعة إعلامية وسياسية في الجزائر، كادت تفسد العلاقة بين البلدين، بسبب استطلاع للرأي أجراه موقع «الجزيرة.نت» وسأل الزوار: هل تؤيد هجمات «القاعدة» على الجزائر؟ (راجع «الأخبار»، عدد 27 كانون الأول /ديسمبر 2007).
يذكر هنا أن «الجزيرة» شنّت هجوماً شرساً على وثيقة تنظيم البث، وكانت قطر الدولة الوحيدة التي مانعت إقرار وزراء الإعلام العرب الوثيقة في شباط (فبراير) الماضي، بدعوة من السعودية ومصر.
لكن الجزائر ليست الدولة الوحيدة التي قدمت اقتراحات تسهم في تضييف الخناق على الإعلام العربي، ذلك أن البحرين أيضاً دعت إلى إشراك «اتحاد إذاعات الدول العربية» مع «الأمانة الفنية لمجلس وزراء الإعلام العرب» بمهمة الإشراف والرقابة والتنسيق والمتابعة لتطبيق مبادئ الوثيقة.
وكانت المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية («عربسات») ــــ وهي تتخذ من السعودية مقراً لها ــــ قد قدمت بدورها مقترحات تدعو إلى أن يناط الدور الرقابي بالدولة المصدرة للترخيص، من دون الحاجة إلى اللجوء إلى مشغلي الأقمار الصناعية.
كما اقترحت «عربسات» تأليف لجنة استشارية عليا، تكون تابعة لجامعة الدول العربية، وتتركز مهمتها على تحديد المخالفة ومرتكبها. ومن ثم تزويد الدولة بتفاصيل هذه المخالفة بهدف تطبيق العقوبات الخاصة بذلك. وأشارت «عربسات» إلى ضرورة التعاون مع الاتحاد الأوروبي وتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل، مع الأخذ في الاعتبار تقاليد كل منطقة وعاداتها في التعامل مع مشغلي الأقمار التي تغطى الدول العربية. وخلصت «عربسات» في مقترحاتها، إلى أنه في حال وجود مخالفة للمبادئ المشار إليها من أي من القنوات، فيمكن للدولة التي سمحت لها بالبث من أراضيها، أن تلغي الترخيص وتأمر بقطع البث عن القناة! وذلك عبر القضاء المختص في تلك الدولة.
هكذا إذاً، سيكون يوم الخميس الموعد المقرر لبدء الدورة الواحدة والأربعين لمجلس وزراء الإعلام العرب، ويبقى السؤال: أيّ آليات تنفيذ سيخرج بها الاجتماع؟ وما سيكون موقف قطر هذه المرة؟ وأي جديد «سيبشرنا» به الوزراء، بعدما أدت وثيقة تنظيم البث حتى الآن دورها في وقف بث محطات عدة، ومنع تقديم بعض البرامج؟ ثم ماذا عن التحفظات التي سجلها مديرو الفضائيات خلال جلسات الاستماع؟ وأخيراً أي ردود فعل ستظهر بعد تفعيل دور الوثيقة التي تهدف إلى التحكم بما تنطق به استديوهات الهواء، وتهدد «المخالفين» صراحةً بعقوبات رادعة، فتمنح السلطات حق «سحب ترخيص المخالف أو عدم تجديده أو إيقافه لمدة»؟!


هذه اللجنة... فماذا عن المقرّرات؟

ليال حداد
انتهى الاجتماع الدوري الثالث عشر للجنة العليا للتنسيق بين القنوات الفضائية العربية في تونس، من دون أن يخرج المجتمعون بتوصيات واضحة بشأن وثيقة «تنظيم البث والاستقبال الفضائي الإذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية». واكتفى البيان الصادر عن الاجتماع بالإشارة إلى أنه جرى الاتفاق على «تفاصيل عملية التنسيق بين مختلف الفضائيات العربية، وآلية تنظيم البث الفضائي العربي ومستقبله، والباقة العربية الموحدة لتغطية مناطق العالم».
إلا أنّ مواضيع عدّة مستقلة عن «وثيقة تنظيم البث»، نوقشت خلال الاجتماع، كما أكّد في اتصال مع «الأخبار» المدير العام لقناة «المنار» عبدالله قصير الذي انتُخب خلال الاجتماع، نائباً أول لرئيس اللجنة.
وأبرز النقاشات دارت حول فشل اللجنة في ضم الفضائيات الخاصة إليها، ما دفع بها إلى عرض عدد من المحفّزات التي تجذب هذه الفضائيات، كتقديم أسعار مخفضة لأعضاء اللجنة على الاشتراكات في «عربسات» و«نايل سات»، والدعوة للمشاركة في المنتدى السنوي للإعلام والبثّ الفضائي الذي تنظّمه اللجنة «وتكمن أهمية المنتدى في أنّه يقدّم طريقة للتعاون ومناقشة القضايا المشتركة بين القنوات»، يقول قصير. هكذا، اعترفت اللجنة بتقصيرها على مدى السنتين الماضيتين، وأكدت ضرورة القيام بانطلاقة جديدة تجذب الفضائيات الخاصة.
ولكن بالعودة إلى وثيقة تنظيم البث الفضائي، يذكّر قصير بأنّ «المنار» كانت قد قدّمت خلال جلسات الاستماع في جامعة الدول العربية، ملاحظات مكتوبة على الوثيقة، وتمّ الأخذ بها وهو ما «وضعت اللجنة في جوّه». وركّزت ملاحظات «المنار» آنذاك، على بعض البنود «غير الواضحة والملتبسة التي توحي أنها تضيّق على وسائل الإعلام وتخنقها»، كتلك التي تتحدّث عن المسّ بالأمن القومي، والعلاقات بين الدول وحدودها. ويوضح: «هذه البنود ليست واضحة على رغم أننا في «المنار» منسجمين بالمبدأ مع أهمية وجود معايير أخلاقية إعلامية في ما يخصّ القضايا القومية. ولكن نخشى أن تكون هذه الصياغة الملتبسة بوابة للتضييق على الحريات الإعلامية».
كما طالبت ملاحظات القناة اللبنانية، بالفصل بالمرجعية بين هيئات البثّ وبين الدول، «فتكون آلية المحاسبة والمراجعة عند دول المنشأ إذ لا يمكن تحميل الهيئات مسؤولية ما يعرض على الفضائيات»، يشرح قصير.
من جهة ثانية، يعِد قصير ـ بعد تسلّمه منصبه الجديد ـ أن هدفه سيكون منصبّاً على تفعيل دور اللجنة ليشمل كل الفضائيات العربية «بعد سنتين من الخمول». و«المنار»؟ «لا مشكلة بالنسبة إلى القناة المقاومة في الدول العربية» «اليوم القناة موجودة في كل الدول العربية، ولا مشكلة بيننا وبين أي حكومة».
يذكر أن انتخاب هيئة الرئاسة في اللجنة يتمّ وفق الآلية التالية: تنتخب الفضائيات الخاصة والرسمية الرئيس والنائب الأول للرئيس، وتنتخب هيئات البثّ الفضائي أي «عربسات» و«نايل سات» و«نور سات»، نائب الرئيس الثاني. وكان المدير العام للفضائية السورية نضال قبلان قد فاز بمنصب الرئيس. ومن المتوّقع أن تجتمع اللجنة «قريباً جداً» في دمشق، لوضع جدول الأعمال للسنتين المقبلتين.