حسين بن حمزةرواية «خلاف المقصود» (دار هيرو ـــــ بيروت) لأحمد عمر لا يمكن أن يكتبها إلا كاتب كردي. والأرجح ألا يفهمها إلا قارئ كردي أيضاً. الرواية مكتوبة بالعربية، بل بعربية متقنة ومتصلة بفصيح معاجمها كما بثرائها اليومي المعيش. ولكن عالمها وشخصياتها وحوادثها مبنية على مخيلة محض كردية. هذا لا يعني أن الرواية لن تثير انتباه القارئ العربي وإعجابه، بل هي إشارة ضرورية إلى خصوصية ما في حياة الأكراد، كأقلية قومية ولغوية وثقافية، وفي نصوص كتّابهم أيضاً.
تقوم الرواية على عالم شديد الفرادة والطرافة معاً. البيئة الكردية مخزن واسع لحكايات وأخبار وشخصيات من النوع الذي يعيش في هذه الرواية.
أحمدي شيركي هو بطل الرواية وراويها.. ونستطيع أن نقول إنه مؤلفها أيضاً. الكثير من تفاصيل الرواية مرويٌّ كحقائق وحوادث وقعت فعلاً. يروي البطل سيرة شخصية تبدأ من طفولة صعبة يتشاركها مع معظم زملائه. الجميع متعلقون بالأفلام الهندية التي تعرضها سينما بلدتهم الصغيرة المرمية في أقصى الشمال الشرقي من سوريا. يتشبّهون بأبطالها ويشبّهون بنات البلدة ببطلاتها. يتقاسم الفتيان أسماء شامي كابور وراجيش خانا ومانوج كومار .. والفتيات أسماء الممثلات. بدور التي يحبها الرواي هي هيما ماليني. صبي آخر يطلق اسم شارميلا تاغور على فتاته... أما أسماء الممثيلن الهنود الذين يلعبون أدوار المجرمين ورؤساء العصابات، فهي من نصيب الفتيان القبيحين والشرسين. الجميع يحفظون أغاني تلك الأفلام عن ظهر قلب. المؤلف نفسه لا يزال يتذكر مقاطع كاملة من تلك الأغاني، ويستشهد بها في الرواية. الرواية ذاتها جاهزة لتكون فيلماً هندياً ــــ كردياً خالداً.
السخرية هي البطلة الحقيقية لرواية أحمد عمر الذي كشف منذ بداياته عن موهبة لافتة في هذا السياق. ولعل قرّاء تلك الفترة من منتصف الثمانينيات يتذكرون قصته الشهيرة «إخراج روح» التي يحمل عنوانها تصحيفاً لورقة «إخراج قيد» التي يُستحصل عليها في دوائر السجل المدني.
كانت القصة الساخرة مزدهرة في تلك الفترة. وكان لترجمات الكاتب التركي عزيز نيسن تأثير واضح. الكتّاب ذوو الأصول الكردية كانوا قد تلقوا تأثيرهم الأهم من الشاعر والروائي سليم بركات، وخصوصاً في سيرتيه المبكرتين «الجندب الحديدي» و«هاته عالياً.. هات النفير على آخره».
«خلاف المقصود» هي تجربة أحمد عمر الروائية الأولى بعد ثلاث مجموعات قصصية: «مقصوف العمر» و«قلب الدراق» و«تشارلز بن ديكنز». في قصصه، كما في روايته هذه، يواظب أحمد عمر على تطوير سرديته الساخرة. السخرية غالباً ما تنشأ من التضاد بين المخيلة الكردية وأسماء الشخصيات التي تُلفظ بطريقة خاصة من جهة، والسرد المصنوع بأسلوبية عربية من جهة أخرى. أحياناً مجرد ذكر اسم يستدعي ضحكة عالية من القارئ. هذا ما يحدث في أغلب صفحات الرواية.
من الصعب الاستشهاد بمقاطع محددة في رواية كهذه. الطرافة والسخرية تحتلان السرد كله، ولا بدّ من قراءتها كاملة للتمتع بذلك.