احتلّت تشكيلات الرجال موقع الصدارة في أسبوع ميلانو للموضة هذا العام: دوناتيلا فرساتشي جمعت الرصانة والجنون في آن. أما روبيرتو كافالي، فاستوحى تصاميمه من أناقة المرأة!
فاطمة داوود
كشف أسبوع الموضة الأخير في ميلانو، النقاب مبكراً عن مجموعات ربيع ــــ وصيف 2009 الخاصّة بالرجال. وفي مقدمة العارضين دار «فرساتشي» الشهيرة. ولعل المفاجأة الأبرز كانت إهداء المصممة دوناتيلا فرساتشي المجموعة للمرشح الأميركي الديموقراطي باراك أوباما. وهو برأيها اختصر شخصية الرجل الواثق من نفسه، «وليس بحاجة لعرض عضلاته كي يظهر سلطته القوية». هكذا، قدّمت تشكيلة من البدلات المؤلفة من نوعين: الأول سراويل مستقيمة ولمّاعة وجاكيتات بخيوط الحرير، اتخذت من ألوان الصيف المنعشة شعاراً لها. في حين برز نوع آخر من البدلات ذات الأقمشة الجافة مع ألوان الرمادي الفاتح، لم يفجّر جنونها سوى قصّات متعرّجة جريئة على الصدر وما دون الخصر.
الرجل بدا هادئاً لكنه جذّاب. رياضيّ وأنيق في آن. لم تمنعه قصّة الصدر الجريئة على شكل V، من إبراز غموضه بعدما التف حول رقبته وشاح حريريّ أشبه بالياقة. وقد استعانت المصممة بألوان متعددّة تنوّعت بين الزهري الفاتح والبنفسجي و«البيج»، بعدما استبعدت ربطات العنق تماماً عن خشبة العرض.
وعلى رغم سيادة اللون الأزرق اللمّاع، تداخلت الألوان في التشكيلة، فتألق الرمادي مع البنفسجي حيناً ومع البرتقالي حيناً آخر. واختال الأزرق اللمّاع بتناغم مع الأبيض و«البيج»، إضافة إلى مزج أنيق بين الأسود والأبيض. وبما أن المجموعة مخصّصة لموسم الصيف، فلا بدّ من بروز واضح للسراويل القصيرة حتى الركبة.
في هذه المجموعة استطاعت دوناتيلا، شقيقة مؤسس الدار جياني فرساتشي، إثبات قدرتها الإبداعية على المحافظة جيداً على مجد الماركة التي تعرّضت لهزة قوية بعد اغتيال مؤسسّها عام 1997.
جياني، المولود عام 1946، توفي عام 1997 بعدما اغتيل في فيللّته الفاخرة، وترك إرثاً لم ينضب معينه، على رغم غيابه المبكّر عن ساحة الموضة. عاش في إيطاليا حيث بزغت موهبته حين كان صغيراً يساعد والدته في جمع الأحجار الكريمة والخيوط الذهبية لتطريز الألبسة. مع ذلك، لم يختر مهنة تصميم الأزياء اختصاصاً لدراسته، فقد انتسب إلى كلية الهندسة المعمارية قبل الانتقال إلى ميلانو، وهو بعمر الخامسة والعشرين. هناك لفت انتباه رجال الأعمال والتجّار، فاستعانوا به لتصميم مجموعاتهم. وحدث الانقلاب الكبير في حياته بعد تولّيه بوتيك «كومبليس» الإيطالي الشهير. ولم ينتظر طويلاً ليعرض مجموعة الملابس الخاصة بالرجال في متحف الفن Palazzo Della Permanente، ليصبح أقوى المنافسين على الساحة العالمية.
شهرة جياني فرساتشي لم تكن صنيعة الصدفة. بل شقّ مسيرته بابتكار أسلوب فريد، أثار الانتقادات بشدّة في البداية، ليكتسب في ما بعد ثقة نجوم هوليوود ومشاهيرها، وفي مقدّمتهم مادونا. اشتهر بطابع البهرجة البصرية، وعدّه بعضهم خارجاً عن الذوق الراقي لاستعانته بالطبعات الشعبية. ومع ذلك، احتل صدارة الماركات الراقية لدى الطبقات الأرستقراطية، حتى تعرّضت الماركة في منتصف الثمانينيات والتسعينيات لأوسع عملية قرصنة، فقلّدت تصاميمه حول العالم وبيعت بأسعار زهيدة جداً.
أما الميزة الأساس بأسلوب الخياطة، فكانت من خلال كشف مفاتن الجسد لا إخفائها، سواء بالنسبة للنساء أو الرجال. كما اعتمد الألوان المتضاربة والمتناقضة، حتى وصفه بعضهم بالمتطرّف.
جرأة هذه الدار لم تقتصر فقط على إطلاق التصاميم والألوان المثيرة، فالمصممة دوناتيلا فرساتشي أكملت المسيرة بالزخم نفسه. وشملت جرأتها أيضاً إطلاق التصاريح المثيرة للجدال. بينها ما وجّهته لمرشحة الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون، حين انتقدت أناقتها خلال عشاء دعيت إليه في البيت الأبيض. وقالت دوناتيلا آنذاك: «ليس عليها ارتداء السروال لتعبّر عن قوّتها». في إشارة إلى رغبتها باعتماد كلينتون على تصاميم فرساتشي. وربما هذا التصريح يثبت مدى دعم دوناتيلا للمرشح باراك أوباما. مما لا شك فيه أن الدار تعرضّت لمشكلات فنية ومادية بعد مصرع مؤسسها، لكن أخته دوناتيلا التي عولجت من الإدمان، تمكنت من الإمساك جيداً بزمام الأمور، لتطلق تشكيلات رائعة. وقد استلهمت مجموعة خريف وشتاء 2008 من رجال الدين.
وكانت دار «فرساتشي» أول دار أزياء تقدم بالتعاون مع شركة «صن لاند» على افتتاح فندق فاخر يحمل اسمها، إذ افتُتح أول فندق «فرساتشي» في العالم عام 2000، في أوستراليا. وبعدها، شهدت الساحة الاقتصادية خطوات مماثلة كدار «جورجيو أرماني»، وأخيراً إيلي صعب.