منار ديبإلا أن المملكة الهاشمية سعت في السنوات الأخيرة إلى إعادة الاعتبار رسمياً للكاتب الذي توفي في دمشق في عام 1989، فمنحته جائزة الدولة التقديرية في عام 2007! كما قررت رابطة الكتاب الأردنيين تحويل منزله بعد ترميمه إلى مركز ثقافي وإعادة إصدار أعماله. وأخيراً، حوِّلَت روايته الشهيرة «سلطانة» إلى مسلسل تلفزيوني يتواصل عرضه للمرة الأولى على «روتانا خليجية». وهو من إنتاج قناة «الغد» و«المركز العربي» الذي يعمل حالياً على تحويل روايتين إلى أعمال درامية هما «دفاتر الطوفان» لسميحة خريس و«مخلفات الزوابع الأخيرة» لجمال ناجي، على أن تحمل هذه الأخيرة تلفزيونياً عنوان «وادي الغجر».
مشروع «سلطانة» الذي أنجز عام 2006، طرح في البداية على المخرج هيثم حقي الذي رأى أنه لا يمكن أن يمر رقابياً في الأردن، قبل أن ينتقل إلى الأردني إياد الخزوز، مخرج «دعاة على أبواب جهنم» و«رحلة شقا»، و«الداية» و«درويش». كتب سيناريو المسلسل الراحل غسان نزال الذي دمج فيه قصصاً من مجموعتي هلسا «وديع والقديسة ميلادة» و«زنوج وبدو وفلاحون». وكان مقرراً أن يعرض على الفضائية الأردنية atv في رمضان الماضي، ثم تعثّر بث القناة. كما كان متوقعاً أن يعرض على mbc في رمضان المقبل في عرض أول، لكنه تسلل فجأة إلى «روتانا خليجية».
«سلطانة» ينفتح على سؤال التاريخ والسياسة، لكنه تاريخ قريب، وتدور أحداثه في بيئات مختلفة بدوية وريفية ومدينية. تجري الأحداث بين الثلاثينيات والخمسينيات، بين جنوب الأردن والقرى المسيحية فيه، وعمان في بداية تشكل هويتها كمدينة. وقد حاول المسلسل أن يسير بحذر بين حقول ألغام عدة، كالعلاقة بين البدو والحضر، والمسيحيين والمسلمين، وأهل شرق الأردن وفلسطين والفلسطينيين، معرّجاً على اليسار والقومية العربية، والنفوذ البريطاني والتدخل الأميركي، والمكانة الاجتماعية للمرأة.
من خلال حكاية زيدان (عاكف نجم) المستمدة من «زنوج وبدو وفلاحين»، نلمس صورة سلبية للبدو. وهو أمرٌ حساسٌ في مجتمع ذي بنية عشائرية، فزيدان الفلاح الذي يعمل في أراضي البدو، تتعرض زوجته (ناريمان عبد الكريم) لمحاولة اغتصاب من بدوي بحضور زوجها. فيما نجد في العمل حضوراً كثيفاً للشخصيات المسيحية، من النادر أن نصادفه في أعمال درامية عربية. وهناك أيضاً طرح جريء لاستغلال الدين، في حكاية الزيت المقدس للقديسة ميلادة (من مجموعة «وديع والقديسة ميلادة»)، إذ يعمل عودة النصراني (زهير النوباني) على بيع زيت عادي بأسعار مرتفعة على أنه زيت مقدّس، بل ويعرض الشراكة في هذه التجارة على البقال المسلم هلال. فلسطين حاضرة في العمل من خلال أحمد (ياسر المصري) الذي يشارك في أعمال المقاومة، ويصطحب معه متطوعين أردنيين للجهاد والدفاع عن القدس. أما جريس (وائل نجم) الذي تحمل شخصيته شيئاً من ملامح السيرة الذاتية، فيحيل إلى هلسا الشاب. هو يعلن عن ميوله الشيوعية صراحة كما يمارس النضال السياسي السري.
يقدم العمل (الليلة الحلقة الأخيرة) العلاقات النسائية لجريس، وسلوكه المتحرر، كما يصور أماكن اللهو، وحتى بيوت الدعارة. لكن أبرز علاقات جريس تبقى مع سلطانة (السورية قمر خلف)، المرأة القوية التي تكبره سناً، التي نراه برفقتها في جلسات أنس، وكؤوس الخمر بأيديهما.
عادة الشرب تتغلل عبر عدد كبير من المشاهد إلى درجة المبالغة، فالنائب فريد بك لا يتوقف عن شرب «الويسكي» ليلاً ونهاراً، وأميرة (السورية كندة علوش) ابنة سلطانة، تفرط في الشراب برفقة حكمت بك. ويبدو أن والدتها تريد منها أن تسير على طريقها، في التعرف بكبراء البلد، لتسهيل أعمالها التجارية وأعمال تهريب الحشيش والماس مع البدوي أبو شيبان. سلطانة تتغاضى عن اغتصاب النائب فريد لابنتها، بل تجد في الأمر فرصة لتمتين العلاقة مع رجل نافذ. وفيما تقدم علوش واحداً من أجمل أدوارها، تكاد قمر خلف بأدائها المحترف أن تنهض بمفردها بأعباء المسلسل. أجواء العمل لا تخلو من مبالغة، فصورة عمان في الأربعينيات تظهر أقرب إلى بيروت أو الإسكندرية، علماً بأن الشخصيات الرئيسية آتية من بيئة ريفية متخلفة. لكن يبدو أن المخرج يحاول تقديم صورة دعائية، ويسعى لاختراع تراث مفترض لمدينة كانت في ذلك الوقت في طور التشكل... أوليس ذلك جزءاً من التوجهات الأخيرة للدراما الأردنية، صناعة هوية وطنية مستقلة ومتماسكة؟
21:00 على «روتانا خليجية»


بغداد، النخلة والجيران

كأن القائمين على الإنتاج الدرامي في الأردن والعراق، لم يجدوا في التراث الأدبي الحديث لبلدانهم، أعمالاً تستحق الالتفات إليها سوى في ما أنتجه كتّاب يساريون. بعد غالب هلسا، ها هو الروائي العراقي غائب طعمة فرمان يعود إلى الواجهة من خلال مشروع لتحويل روايته الشهيرة «النخلة والجيران» إلى مسلسل تلفزيوني من ثلاثين حلقة، وإنتاج مؤسسة «المدى للثقافة والفنون»، لمصلحة تلفزيون «البغدادية». كتب سيناريو العمل الكاتب علي حسين، ويخرجه المخرج جمال عبد جاسم، ويجسد أدوراه الرئيسية يوسف العاني وسامي عبد الحميد ومقداد عبد الرضا وآسيا كمال وعواطف نعيم وحاتم سلمان ومحمد هاشم وهناء محمد. وتدور أحداث المسلسل في بغداد في الثلاثينيات والأربعينيات خلال الحرب العالمية الثانية. وهو يصوّر حياة الفئات الشعبية وتأثير السياسة عليهم، وستظهر في المسلسل شخصيات تاريخية كنوري السعيد والوصي عبد الإله ورشيد عالي الكيلاني. يذكر أن «النخلة والجيران» حوّلت إلى عمل مسرحي ذائع الصيت للمخرج قاسم محمد، قدم في بغداد أواخر الستينيات.