«حرب الشوارع» التي حرّكت لدى اللبنانيين كوابيس قديمة، اختلفت رواياتها على الشاشة الصغيرة: «العربيّة» ــ LBC، في مواجهة «المنار» ــ «تلفزيون الجديد»... أما الإعلام الغربي فيمتلك حقيقة واحدة: «حزب الله» هو الشيطان الأكبر!
فرح داغر

الساحة نفسها: شوارع بيروت المتداخلة. الأصوات نفسها (لكن أقلّ كثافة): طلقات الرصاص والانفجارات. أمّا الشاشات، فتبدو هذه المرّة «مرتاحة» في ميدانها. إذ إنّها تعرّفت منذ أول من أمس إلى خطوط التماس الجديدة، فاتخذت احتياطاتها وعرفت كيف تختار «زواياها».
التطورات البارزة التي شهدها لبنان أمس، ترافقت مع غياب محطتين هما: «المستقبل» و«أخبار المستقبل» اللتان كانتا تتكفّلان بالبروباغندا الإعلامية لفريق 14 آذار. لكنّ هذا الغياب الطارئ لم يحدث فراغاً إعلامياً في التغطية الميدانية، إذ تكفّلت «المؤسسة اللبنانية للإرسال» وقناة «العربية» الفضائية بنقل الوقائع من زاوية تتكامل مع الروايات التي كانت قوى الموالاة تقدّمها في اليومين الأخيرين. باختصار: «ميليشيات مذهبية تقتحم قلب بيروت». صدّق أو لا تصدّق!
خلال نقلهما المباشر للأحداث، اختارت المحطتان العزف على أوتار العواطف، وإظهار «الفظائع» التي أحدثها «حزب الله» أثناء «حصاره بيروت». وهذا العنوان اختارته «العربية» لتعيدنا بالذاكرة إلى «حصار بيروت» في الثمانينيات من قبل القوات الإسرائيلية. وقد خصّصت معظم مداخلات مراسليها لإيصال هذه الرسالة. وبعدما فرض المقاتلون التابعون لفريق المعارضة سيطرتهم على معظم مناطق العاصمة أمس، انشغل مراسل المحطة عدنان غملوش طيلة الصباح بنقل أخبار «نزوح عائلات الطريق الجديدة مع أطفالها إلى مكان آخر...» (من دون نقل أي صور عن ذلك). أما «بطلة» رواية غملوش، فامرأة متوسطة العمر كانت محتجزة في منطقة بربور حيث «اصطادها» الصحافي، وهي عائدة إلى منزلها في الطريق الجديدة. وقد عبّرت المرأة مراراً عن «افتخارها بمنطقتها». وعاد غملوش ليستشهد بأقوال تلك المواطنة في معظم مداخلاته التالية. هكذا شكلت «العربية» منبراً لأقطاب 14 آذار (محمد فتفت، مصطفى علوش، مصباح الأحدب). وإذا صحّ ما قالته القناة بأنها حاولت من دون جدوى الاتصال بأحد رجالات المعارضة، فإن المعارضة تكون ــــ بموقفها هذا ــــ خسرت فرصة شرح وجهة نظرها لجمهور خليجي وعربي واسع يتابع هذه الفضائية.
العواطف التي أرادت «العربية» تجييشها برزت أيضاً عندما حاورت ريما مكتبي إحدى مراسلات القناة في بيروت. وقد حكت هذه الأخيرة عن تعرّض عناصر موالية لـ«حزب الله» لها، وتمزيقهم شريط التصوير الذي حمل حكايات إنسانية، بينها قصة طالبة جامعية تضررت سيارتها التي اشترتها منذ خمسة أشهر فقط. أما الـLBC التي عنونت تغطيتها بـ«أحداث 9 أيار 2008»، فحكت عن حرب أخرى، إذ ركّزت على مشاهد الدمار الذي خلّفه «حزب الله» في المدينة حيث «حطّم المقاهي» و«أحرق السيّارات»...
وبينما كانت «العربية» تعرض عند أسفل الشاشة أخباراً «حصرية»، بينها مثلاً «دبلوماسيون يشبّهون سيطرة حزب الله على بيروت كسيطرة حماس على غزة»، كانت ريما مكتبي تسأل عدنان غملوش: «لماذا ترتدي الدرع الواقي؟ هل الاشتباكات عنيفة الآن؟». وقد تزامن ذلك مع تقرير مصور عرضته «المنار» لمراسلها وهو يجول في بعض مناطق العاصمة التي شهدت الاشتباكات، مؤكداً على عودة الهدوء إليها. وقد كشفت «المنار» أمس عن تركيبة الميليشيات التي نظّمها وسلّحها «تيار المستقبل»: بين الأسرى شباب جاؤوا بهم من مناطق الشمال الفقيرة (المنية والضنية) يحكون بؤسهم وكيف تم التغرير بهم، وكيف حاولوا أن يهربوا، وكيف ضاعوا في شوارع بيروت.
إثر ورود خبر إغلاق محطة «أخبار المستقبل» وصحيفة «المستقبل»، أصرّت «العربية» على التأكيد أنّ عناصر من حزب الله هم الذين دخلوا المحطة وأجبروا الموظفين على المغادرة... بينما كانت القنوات الأخرى تشير، وبالصور، إلى أنّ الجيش اللبناني هو الذي تسلّم المحطة وقام بعملية إخلاء الموظفين منها. وعلى هذه النقطة بالذات، أصرّت قناة «الجزيرة» التي عادت أمس إلى سابق عهدها في التغطية الشاملة للأحداث الأمنية. القناة القطرية تميّز مدير مكتبها غسان بن جدو بمدّ المشاهدين اللبنانيين والعرب بالأخبار المرفدة بالتحليلات الواقعية والأقرب إلى المعايير المهنية. هكذا، جاءت تغطية «الجزيرة» متوازنة ورصينة على رغم حساسيّة الموقف. ليل حربي طويل، ونهار حربي أطول. لمعرفة المواقع التي كانت تسقط بيد المعارضة، ساعة بعد أخرى، كان على المشاهد أن يقلّب المحطات وصولاً إلى تلفزيون «الجديد» الذي سجّل مراسلوه ــــ كالعادة ــــ حضوراً ميدانياً مكثفاً على «كل الجبهات».