شربل روحانا في مسرح «بابل»... ولادة ثانية؟بشير صفير

اليوم هو موعد انطلاق مهرجان Forward الذي يقترح في بيروت مجموعة أمسيات موسيقية، تتخلّلها حفلات توقيع ألبومات زياد سحّاب وسميّة بعلبكي ومصطفى سعيد. البرنامج الذي يمتدّ حتى حزيران (يونيو) المقبل، يبدأ هذا المساء مع المؤلف الموسيقي وعازف العود اللبناني شربل روحانا الذي سيقدم حفلتين في مسرح «بابل» في بيروت.
قبل قرابة عامين، خاض روحانا للمرّة الأولى في مجال الأغنية بعد سنوات طويلة من العمل في حقل الموسيقى الآلاتية الذي لم تأخذ الكلمة سوى حيّز محدود منه... وها هو يعود إلى الموسيقى الصامتة، لكن من خلال قالب مختلف عن توجهه السابق.
ولد شربل روحانا في عمشيت عام 1965، درس الموسيقى والعزف على آلة العود، ثم وضع منهجاً جديداً لتعليم هذه الآلة. بعد الدراسة ينتقل عازفو العود إجمالاً إلى التعليم، أو العزف ضمن مجموعة، أو العزف المنفرد الذي يعتمد التأليف و/ أو التقسيم، أو التأليف الموسيقي (الآلاتي، الغنائي) الذي يمثّل فيه العود محور اللعبة، أو إلى أساليب تعبير أخرى، منها محافظة ومنها مجدِّدة. أما روحانا، فجمع بين كل هذه العوالم تقريباً في علاقته مع العود، بمقادير اهتمام متفاوتة تراوحت بين العابر والثابت. وقد بقي أبعد ما يكون عن الادعاء، بخلاف آخرين أقل موهبة منه يصنعون اليوم أمجاداً من خلال بيع ما يخاله الغرب إبداعاً موسيقياً شرقياً، في أوروبا التي تحبّ الـ«إيكزوتيك» على أشكاله.
شارك روحانا عازفاً إلى جانب مؤلفين بارزين، فجادل عوده عود مرسيل خليفة في عمل من تأليف الأخير بعنوان «جدل» (لرباعي ضمَّ آلتَيّْ عود، باص كهربائي وإيقاعات)، وشارك عازفاً مع زياد الرحباني في «إلى عاصي» و«لولا فسحة الأمل» و«بما إنو...». لحّن لتانيا صالح، وعاون غادة شبير من خلال التدوين الموسيقي وقيادة الفرقة والعزف، في ألبومها المرجعي الأخير «موشحات». استضاف ريما خشيش في محطة غنائية عابرة في أحد ألبوماته (العكس صحيح). وأحيا أمسيات موسيقية عدّة، في لبنان والخارج، بعضها أخذ طابعاً إنسانياً ليس غريباً عن همه الاجتماعي وأخلاقه وعاطفته الفائضة. كما غنى روحانا تحيّة إلى محمد الدرّة، الطفل الفلسطيني الذي أرداه رصاص الصهاينة... ثم وقع في «حب الحياة»، فاستُدرج (كما قيل) للمشاركة في إحياء سهرة رأس سنة تحت راية ثورة الأرز في مجمّع «بيال». إطلالته الأخيرة في لبنان كانت في إطار النشاطات الفنية التي أقيمت لإحياء ذكرى الحرب الأهلية، في نيسان (أبريل) الماضي.
ألبومه الأول كان بعنوان «مدى»، أصدره شربل روحانا عام 1997، وقد جمعه بالمؤلف الموسيقي هاني سبليني. تلاه «سلامات» (1998)، ثم «مزاج علني» (2000)، و«العكس صحيح» (2003)، و«صِلة وَصْل» (2004). كل هذه الأعمال انتمت إلى قالب فني واحد، يرتكز على مقطوعات موسيقية عكست تركيبة الفرقة الموسيقية المعتمدة، في نمطها الشرقي ــــــ الغربي الحديث. هامش ارتجال محدود، وجمل لحنية متفاوتة الجمال، وتوزيع موسيقي لا تعقيدات كبيرة فيه. كما استعاد ألحاناً من التراث الشرقي، وتحديداً من الفولكلور الشعبي. مقطوعة روحانا قصيرة إجمالاً، وبالتالي لا تسمح بهامش من الارتجال أو بالتقاسيم التي تتطلّب وقتاً، إذ لا بدّ من التحضير لها، والشروع بها، وتطويرها... قبل إنهائها وتسليم مرتجل آخر، أو العودة إلى الموضوعة الموسيقية المحورية المكتوبة.
كثيرون من «القلقين» على مصير الموسيقى العربية يأخذون على شربل روحانا انسلاخ توجهه الموسيقي العام عن الأصالة الشرقية (ولو بنسبة محدودة)، منتقدين حسّه الحداثوي المتمثل خصوصاً في انجرار عوده إلى معاشرة آلات من خارج بيئته العربية. ليست هذه مسألة مستجدّة في العالم العربي، وعلى الدوام كان مرور الزمن كافياً لنقل «مخرّبي» الموسيقى الشرقية إلى خانة «الأصيلين»، قبل أن يُتهَم معاصرون آخرون بـ«التخريب» من جديد... وهكذا دواليك. وللأسف، قلما وجدنا في تاريخنا نقداً علمياً منفصلاً عن التاريخ والمقارنة مع إرث الماضي، استناداً إلى القيمة المطلقة للعناصر الجمالية. لكن شربل يقف، في الواقع، على مسافة واحدة من الطليعي (وهكذا ينأى عن احتمال الادعاء)، والترفيهي (وهنا ينأى عن احتمال الاستهلاك). وانتقاده لا يكمن في مديح تجربته من منطلق الدعوة إلى التحديث، ولا في الذم بها باسم المحافظة على الأصالة.
وتفرض الموضوعية القول إن نقطة الضعف في تجربة روحانا هي تقويضه الإرادي لإمكانات قوية في شخصيته الموسيقية (التمكّن الكلي من آلته وإحساسه المرهف الذي يمكن أن تنتج عنه تقاسيم ثقيلة)، لحساب قدرة مضطربة على خلق جملٍ لحنية جميلة. من هنا، تأتي تجربته الأخيرة التي سنسمعها اليوم، بمثابة توظيف صحيح وعادل لمواهبه وإمكانات الفرقة المرافقة له. إذ يرتكز شغله الجديد على التقسيم الذي توجِّهه جمل لحنية قليلة، ومتماسكة، ومنسوجة بعناية. أي إنّ هناك فارقاً جوهرياً مع تجاربه السابقة، حيث نرى أن اقتصار الاعتماد على التأليف وتتالي الجمل التي تتخللها المقطوعة الواحدة، سبَّبَ خواءً في التركيبة العامة. بمعنى آخر، يتميّز أسلوب الجمل القصيرة المتتالية بالسهولة، لكنه يخفي فخَّين على الأقل: الإخفاق في الجسور التي تصل بين جملتين، والقصور الإبداعي عن الاحتفاظ بالمستوى الجمالي نفسه على امتداد العمل الذي كان يعكس تفاوتاً في المستوى بين أجزائه.
وبين القديم والجديد، خاض شربل روحانا تجربة الأغنية مع «خطيرة» (2006). وقد تكون الحفاوة التي استقبل بها الجمهور أغنية «لشو التغيير» (2005) التي صدرت منفردة قبيل ذلك، أحد الأسباب الأساسية في ولادة ألبوم «خطيرة» الذي حوى مجموعة من الأغنيات، بقيت الأغنية الأم أنجحها لحناً، نصاً ومزاجاً. أفصح روحانا في هذا العمل عن فكاهة أخفاها غياب الكلمة في مشروعه الموسيقي السابق، إذ لجأ في أغانيه الأخيرة إلى تغييب الجدية في رؤيته النقدية للقضايا الاجتماعية وسواها.
«شغل بيت»، هو عنوان ألبوم روحانا الجديد (إنتاج Forward Productions) الذي يقدّمه حياً مع «فرقة بيروت للموسيقى الشرقية»: طوني خليفة (كمان)، عبّود السعدي (باص كهربائي)، علي الخطيب (إيقاع) وإيلي خوري (بزق). «المكتوب ما منّو مهروب»، لكن التقاسيم ستكون مختلفة بالتأكيد.

شربل روحانا: 8:00 مساء اليوم وغداً ــــــ مسرح «بابل» (الحمرا): 01.744034



أطلبوا البرنامج: من التانغو العربي إلى رباعيات الخيّام

بعد حفلتيّْ شربل روحانا، يتابع المهرجان أنشطته لفنانين تحتضنهم شركة Forward Music لخلق مشروع موسيقي بديل. في 5 حزيران (يونيو) المقبل، يحيي زياد سحاب مع فرقته «شحادين يا بلدنا» أمسيةً وحيدةً، يقدّم خلالها برنامجاً يتألف بجزئه الأكبر من أغنيات جديدة خاصة (كتبَ معظمها الشاعر المصري وزميلنا في «ثقافة وناس» محمد خير). إلى جانب سحاب (عود، تأليف موسيقي وغناء)، تتألف الفرقة من غسان سحاب (قانون)، بشار فرّان (باص كهربائي)، ريان الهبر (كيبورد)، أحمد شبّو (كمان) وأحمد الخطيب (إيقاع).
تلي إطلالة سحاب وفرقته حفلتان في 12 و13 حزيران/ يونيو، لسميّة بعلبكي صاحبة الصوت الأصيل. اللقاء سيكون مميّزاً لا يشبه أياً من حفلات سمية السابقة، بسبب الهوية الموسيقية الجديدة للمشروع الذي تعمل عليه منذ فترة. يقوم المشروع على استعادة روائع من تراث العربي، وتحديداً ما يُعرَف بالتانغو العربي. يحمل الحدث عنوان «تانغو عربي». ويرافق سمية الموسيقيون عبود السعدي (باص كهربائي)، أرتور ساتيان (بيانو)، طوني خليفة (كمان)، طوني ديب (أكورديون)، خالد ياسين وسلمان بعلبكي (إيقاعات).
ويُختتم «فوروورد» مع عازف العود المصري مصطفى سعيد الذي يعرفه اللبنانيون من خلال نشاطه مع عازف الكمان نداء أبو مراد. إذ شاركه في إطلالات حية، كما تعاونا في ألبوم أبو مراد الأخير. عازف العود الضرير لن يكتفي بالأداء المنفرد على آلته في الأمسية الوحيدة التي سيقدمها في 27 حزيران، بل سيكشف لنا وجه المغني الصوفي في رباعيات الخيّام التي لحنها. يرافقه في الحفلة محمد عنتر (ناي)، غسان سحاب (قانون) وإيلي خوري (رقّ).
www.fwdprod.com