صالحَ الدراما المحليّة بعد طول جفاء، وعاد بعملين جديدين. الفنان الذي لا يهنأ له عيش من دون العرب، يشارك في ملحمة بدويّة تاريخية من انتاج سوري... وينقل الى الشاشة الايرانية محطات من الصراع التاريخي بين «الموساد» والمقاومة اللبنانية
باسم الحكيم

بيار داغر من أنصار مقولة «خير الكلام ما قل ودل». يفضّل الابتعاد عن المطوّلات في كلامه، ويكتفي بإجابات أكثر من مقتضبة، من دون أن يستغني عن الصراحة والوضوح بالحد الأدنى، محافظاً في الوقت عينه على بعض الدبلوماسيّة. لا يبدو راضياً عن مستوى الدراما اللبنانيّة، غير أن ذلك لا يمنعه من العودة إليها بعدما سجّل غياباً طويلاً، منذ حلقات «ابنتي» للكاتب شكري أنيس فاخوري. كما لا يمنعه عمله في الدراما الرمضانيّة من توجيه الانتقاد إلى الحشو والتطويل في أحداثها. قبل بضعة أشهر، كان مشغولاً بمسلسلات الفانتازيا والدراما التاريخيّة وآخرها «سقف العالم» للمخرج نجدت أنزور و«خالد بن الوليد 2» للمخرج عبدالله غسّان اللذين عرضا في رمضان الماضي. بعد ذلك، بدأت تحضيراته للعودة إلى الدراما اللبنانيّة في عملين هما «دعوة إلى المجهول» و«أم الصبي»، إنما من دون أن يهجر الدراما العربيّة التي يطلّ فيها في عمل مستمد من البيئة البدويّة بعنوان «فنجان الدم»، إضافةًَ إلى مسلسل إيراني يبدأ تصويره في غضون أيّام.
هكذا، اختار بيار داغر العودة إلى الدراما اللبنانيّة مع مسلسل «دعوة إلى المجهول» للكاتب جبران ضاهر والمخرج غابي سعد الذي سبق له أن عمل بإدارته في فيلم «يارا» مع ندى أبو فرحات. داغر الذي صوّر مشاهده الأخيرة في المسلسل قبل شهر، يوضح بأن سبب اختياره لهذا العمل يعود إلى «أنني لاحظت أن الشخصيّة تحمل مضموناً مختلفاً، وقائمة على التشويق وعلى السرعة القياسيّة في تتابع الأحداث. هو زوج روائيّة تُختطف فيدخل هو المجهول. أضف إلى ذلك قلّة عدد حلقاته (12 حلقة على الأرجح، أنتجتها شركة «لاك بروداكشن»)، وخصوصاً أنه لم يكن عندي أي انشغالات في العالم العربي خلال تلك الفترة».
أما اليوم، فيواصل داغر تصوير خماسيّة «أم الصبي» من مجموعة «مفقودين» (كتابة وإنتاج مروان نجّار وإخراج ليليان البستاني). تدور أحداث الخماسيّة التي يعرضها تلفزيون «المستقبل» بعد نهاية شهر رمضان، حول قضية اختفاء شاب لمدة 11 عاماً، فعاش والداه، ولا سيّما والدته (برناديت حديب)، في غربة عن عائلتها وعن واقعها، فاختصرت كيانها بكونها أم الصبي.
وعلى رغم اشتراكه في عملين محليين في آن واحد، لم يشأ بيار داغر هجرة الدراما العربيّة، ذلك أنه على موعد مع جمهور الشاشة الصغيرة في رمضان المقبل مع المسلسل البدوي «فنجان الدم» للمخرج الليث حجّو إلى جانب عدد من وجوه الدراما السوريّة والخليجيّة، من بينهم جمال سليمان وغسّان مسعود، قصي خولي وعابد فهد. وتدور أحداث الملحمة البدويّة التاريخيّة في القرن التاسع عشر، وترصد حياة القبائل البدويّة السوريّة وتأثيرها في الوضع السياسي القائم يومها. إضافةً إلى تأثّر البدو بالأزمات السياسية والمخطّطات الأجنبيّة. كما يبدأ خلال اليومين المقبلين، تصوير دوره في الدراما اللبنانيّة «الحب والتراب» (عنوان مبدئي)، وهو من إنتاج إيراني، تتوزّع بطولته بين نخبة من الممثلين اللبنانيين من بينهم باسم مغنية ومجدي مشموشي. ويتوقف العمل عند محطات من الصراع بين «الموساد» والمقاومة اللبنانية.
يعترف بيار داغر بأنّه عاش مرحلة من الجفاء مع الدراما المحليّة، «لأنني ألحق بالعرض الأفضل الذي يأتيني غالباً من الخارج. علماً أنني أرغب بالعمل في لبنان»، معتبراً أن «المشكلة في الدراما اللبنانيّة، تكمن في الإنتاج بالدرجة الأولى، ثم تمتد إلى النصوص وأسلوب معالجة الشخصيّات، فيما أفضِّل اقتناص الأدوار الجيدة التي لا أجدها هنا». يسارع إلى نفي أي توتر أو خلاف مع أي جهة إنتاجيّة محليّة، غير أن «المخرجين العرب الذين أتعامل معهم، يقدّرون أكثر لأنهم حريصون على تقديم عمل فني جيّد، فيضعون الممثل المناسب في الدور المناسب. بخلاف العمل في الدراما المحليّة التي لا تعدو كونها محاولات، يعوزها السياسة والتخطيط. إذ يفرض النقص الفادح في الإنتاج، التعاقد مع الممثل أو المخرج ذي الأجر الأوفر، والبحث عن النص التافه غالباً». ويشير إلى رفضه العمل في مسلسلين محليين في الآونة الأخيرة، «لأن الدور لم يجذبني شكلاً ومضموناً في المسلسل الأول، بينما لم أقتنع بأعمال الشركة المنتجة في المسلسل الثاني».
وهنا، يثني داغر على إنتاج المسلسل الإيراني «مدار درجة صفر» الذي تقاسم بطولته مع فادي إبراهيم ومجموعة من الممثلين الإيرانيين (راجع «الأخبار»، 27 حزيران/ يونيو 2007). ويكشف أن «العمل يتألف من 22 حلقة فقط. ومع ذلك استمرّ التصوير عاماً ونصف عام، لأن الإنتاج الإيراني يضع النوعيّة الجيّدة في سلّم أولوياته، بينما لا ينسحب هذا الأمر على الإنتاج اللبناني، ولا حتى العربي. إذ تشترط جهة الإنتاج على المخرج اللحاق بالعرض الرمضاني، على حساب النوعيّة».
عندما يضع بيار داغر موضوع جودة الإنتاج في المرتبة الأولى، يوحي لك بأنّه يرفض فوراً أي عمل لا يمتلك الحد الأدنى من المواصفات الإنتاجيّة. وإذا بك تفاجأ بكونه اعتاد المشاركة في الدراما الدينيّة التي تقدمها «تيلي لوميير» وآخرها عملان من كتابة جبران ضاهر وهما الفيلم التلفزيوني «مار مارون» للمخرج بسام نصر، وسداسيّة «عندما تأتي الساعة» للمخرج غابي سعد. يدافع عن مشاركته في هذه الأعمال، بالقول إنها تحمل رسالة. لكن ألّا تشوّه الرسالة في حالات النقص الفادح في الإنتاج؟ يجيب: «صحيح. لذلك قررت عدم الموافقة على الدراما الدينية، إلا إذا كانت مموّلة بطريقة جيّدة، وخصوصاً بعد الصورة المخجلة التي ظهرنا في بعضها، بسبب الماكياج السيء الذي يحوّل العمل إلى دراما صبيانية». وهل يسمح للممثل المحترف بالوقوع في مثل هذه الأخطاء؟ هنا يبدو كمن يجيبك عن سؤال آخر، «في بعض الأحيان، لا تتوقع النجاح، وإذا به يتحقّق بشكل منقطع النظير، أو على العكس أحياناً... وأعترف بأنني وقعت في أخطاء كثيرة، ووافقت على أعمال ما كان يجدر بي الموافقة عليها».
ومنذ أكثر من شهرين، تردّد اسم بيار داغر كواحد من أبطال مسلسل «شركاء يتقاسمون الخراب» للمخرج السوري محمد زهير رجب، إلى جانب نضال سيجري وسلاف معمار وأنطوان كرباج، إلّا أن الممثلين اللبنانيّين اعتذرا عن العمل. وينفي داغر أنّ يكون اعتذاره بسبب سوء تفاهم بين رجب وأنزور، «فمحمد صديقي». أمّا عن استبعاده مع كارمن لبّس وشادي حدّاد عن بطولة الجزء الثاني من «عصر الجنون»، فيفضّل عدم التطرق إلى الموضوع «لأنني لا أدري ماذا حدث... علماً أنني في صدد التحضير لمشروع قريب مع مخرجه مروان بركات».


أنزور والآخرون

منذ سنوات، اعتاد بيار داغر المشاركة في معظم أعمال المخرج السوري نجدت أنزور الذي عبّد له طريق العمل في الدراما السوريّة والفانتازيا في مسلسل «العوسج»، وجسّد أخيراً شخصيّة قائد مجموعة محاربي الفايكنغ «بيلوليف» في مسلسل «سقف العالم» الذي حمل رسالة نقدية، رداً على الرسوم الدنماركيّة المسيئة للرسول... أي إنّ العمل استغلّ حدثاً سياسيّاً، كعنصر دعاية. يرى داغر أن «ما من عمل بريء يكتفي بالرسالة، فالجميع يبحث عن التسويق في المقام الأوّل». وهنا، يجدد انتقاد ضعف الإنتاج الذي يجبر المخرج على الإسراع في تنفيذ مشروعه، «من أجل تنفيذ عمل ثان وثالث في العام نفسه». كما يسجّل انتقاده لمضمون المسلسلات الرمضانيّة التي يقع معظمها في التطويل، ما يجعل منه عملاً مملاً. ويقول: «لم يعد مسموحاً التنظير على المشاهد، فهو ليس مضطراً لأن ينتظرك حلقتين أو ثلاثاً، قبل إدخاله في الحدث الرئيس». ويشير إلى أن «هذا الأمر ينطبق أيضاً على «سقف العالم»، الذي رأى أن أحداثه بدأت عند ظهور جماعة المحاربين». وعلى رغم ضخامة الإنتاج، اعتمد المسلسل كثيراً على الحوارات المطّاطة، أكثر من اعتماده على المشهدية. ويعرب داغر عن إعجابه وثقته بالعمل مع المخرج نجدت أنزور، لكن ذلك لا يجعله يوافق على أي عمل يعرضه عليه من دون قراءته. يؤكد حرصه على القراءة قبل الموافقة، «مع أنه يكفي الممثل مشهد واحد مع أنزور ليسطع نجمه، وهنا تكمن أهميّة هذا الرجل».
تختلف نظرة داغر إلى المخرجين اللبنانيين عنها إلى مخرجي العالم العربي، ويكتفي بإجابة دبلوماسيّة جدّاً... «جميعهم فيهم الخير والبركة». ويرى «ضرورة أن يتحوّل العمل الدرامي في لبنان من عمل فردي إلى عمل مؤسساتي، ليشعر الممثل بقيمته، كي لا يجد فرصه دوماً خارج حدود الوطن». ويشدد على أن «الدراما بحاجة إلى مجهود كبير، ويجدر بالدولة أن تضع ركائز لها، إضافة إلى ضرورة الاهتمام بالنقابات».