عمان ـ محمد فرحان يدور فيلم «كابتن أبو رائد» الذي يعرض في العاصمة الأردنية، وقريباً في لبنان والكويت والإمارات، عن رجل بسيط هو «كابتن أبو رائد»، عامل تنظيفات في مطار عمّان، يحلم بالسفر ورؤية العالم الذي لم يشاهده إلا في الكتب وأحاديث المسافرين العابرة الذين يلتقيهم يومياً. هذا الفيلم الروائي الطويل هو «أوّل شريط أردني» ــ بالمعنى الحقيقي للكلمة ــ أنجز منذ عقود، وقد عدّه النقاد ناضجاً على مختلف المستويات، استغرق من مخرجه الشاب أمين مطالقة عامين ونصف عام من التحضير.
يسرد أبو رائد الذي يجسّد دوره بمهارة نديم صوالحة، مغامراته وتجواله حول العالم، على مجموعة من الأطفال الفقراء في الحيّ الذي يقطنه، فيصدّقون أنّه كان طياراً. ومع تطور العلاقة واختلاطه مع طفلين، يكتشف أبو رائد الصراعات والنزاعات المحيطة بحياتهما البسيطة، فيعمد إلى مساعدتهما.
أمّا شخصية الطيّارة نور التي تجسّد دورها رنا سلطان العنصر، فأتت لتعيد بعضاً من التوازن إلى الفيلم الذي عجّ بالمشاهد المرهقة، المثقلة بالآلام وقساوة الحياة وشظف العيش الذي تعانيه فئة معينة من المجتمع. فهذه الطيّارة التي تنحدر من عائلة ثرية ساعدت على تحقيق حلم أحد الأطفال في الفيلم وغيّرت مجرى حياته.
يكشف شريط صوالحة عن الهوة الكبيرة في الأردن والفروق الطبقية الاجتماعية ويستند إلى محلية واضحة، إذ فرضَ المخرج المكان جزءاً أساسياً من شريطه، فجاءت المشاهد عمانية صرف، لا تحتاج إلى تفسير أو شرح لاستبيان مرجعية العمل وخصوصيته وإيقاعه الدرامي وشكله الجغرافي.
صوالحة الذي حاز جائزة أفضل ممثل عن دوره في مهرجان دبي، حمل هذا الفيلم كاملاً على عاتقه لما تميز به من قوة إقناع في تأدية الدور. كما أنّ البنية «الدرامية» تتأصّل في كون هذه الشخصية المحورية تستند إلى الحكمة والوقار. بينما الموسيقى التصويرية تضفي على العمل إيقاعاً حزيناً مرةً، وسعيداً مرة أخرى، تماشياً مع أحداث الفيلم، عاملةً على إعلاء شأن الكثير من المشاهد والأحداث الدرامية.
الفيلم بحد ذاته مغامرة. لقد أقحم مخرجه نخبةً من الأطفال الهواة في عمله، فجاءت عفويتهم في التمثيل لتبرز مقدرة مطالقة على إدارة دفة العمل، ومحاولة استنطاق الطاقات الكامنة في هؤلاء الأطفال الذين اختيروا من جميع محافظات المملكة. صُورت مشاهد «كابتن أبو رائد» في جبل القلعة الذي يعدّ من أعلى الجبال المطلة على وسط عمان... وفي أحياء مدينة السلط، ما أضفى عليه بعداً إنسانياً. فأبو رائد لا يستطيع الطيران في طائرة كالآخرين، لكنّ سطح منزله مطلّ على عمان بأكملها، كأنه على متن طائرة تحلّق في السماء.