دماء وعويل في حيّ السيّدة
إعداد محمد عبد الرحمن
هل هو مللٌ من الكوميديا أم انعكاس لتغيّر أوضاع الشارع المصري... أم زيادة الإنتاج هي التي تتطلّب مزيداً من التنويع؟ بعد الأفلام التي ناقشت دور الحكومة ورجال الشرطة، تتجه هوليوود الشرق اليوم إلى الرعب والإثارة: من «أحلام حقيقية» الذي عُرض في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي إلى «شارع 18» و«نقطة رجوع» و«كامب». وعلى الطريق «أدرنالين»، ومشروعات أخرى تنتظر «حكم» الجمهور

نقطة رجوع
السريّة التي أحيطت بتصوير فيلم الإثارة «نقطة رجوع» كانت ضرورية... ذلك أنّه ينتمي إلى نوعية الأفلام التي تُفسد متعة مشاهدتها إذا عرف المتفرّج القصة سلفاً. لذا، نكتفي بالقول إنّ الحكاية تدور حول مقاول شهير وزير نساء، يُهمل زوجته كثيراً، ما يدفعها إلى خوض علاقة عاطفية سرية. وعندما يكتشف الزوج الحقيقة، يتعرّض لحادث سيارة مدبّر، فيفقد ذاكرته، لتُعيد عمليات التجميل تصحيح ملامح وجهه، أفضل مما كان. بعدها، تحاول الزوجة تكوين ذاكرته من جديد، فتعمل على إخفاء ما حدث معهما. لكن المقاول، يكتشف تدريجاً ــ ومن دون أن يصل إلى أجوبة ــ أنّ في الأمر سراً: هل زوجته كانت تخونه فعلاً، وهل هي التي حاولت قتله؟ وهل يعيش حبيبها في مصر أم في الخارج؟ هنا، تدخل ثلاث شخصيات رئيسية على الخط: ضابط أمن متقاعد يتحول إلى مخبر خاص، وشريكه في العمل، وصديقة العائلة التي يكتشف المشاهد أنها كانت زوجة البطل الثانية في السر. وتسير الأمور في طريق ضيّق، حتى يكتشف الجمهور حقيقة مفاجئة في المشاهد الأخيرة. العمل الذي كتبه الشقيقان محمود وإبراهيم حامد، وأخرجه حاتم فريد في أول تجاربه الروائية الطويلة، يحتوي على قدرات تمثيلية عالية لكل من شريف منير (الزوج) ومحمد شومان (رجل الأمن)، واللبنانية نور (الزوجة) التي قدمت أفضل أدوارها تزامناً مع قرار نقيب الممثلين المصريين تقليص نشاط الفنانين العرب في مصر. لكنّ الشريط لم يخلُ من ثُغر تتعلق بالسيناريو الذي بدا أحياناً مقتبساً عن أعمال سابقة. كما بدا النص غير مقنع في نقاط عدة: لعلّ أبرزها طريقة اكتشاف البطل للحقيقة، التي جاءت متأخرة بعض الشيء. إضافةً إلى تضخيم قدرات الزوجة ليلي «الداهية»، بشكل أقرب إلى الأفلام الكوميدية لا السينما الدرامية.
الا أنّ الشريط بشكل عام، جاء جيد المستوى. إذ وفّر له المنتج المخضرم محمد حسن رمزي، إمكانات عدة. وعلى رغم الخلاف الذي نشب بين أسرة العمل بشأن موعد طرح الفيلم، فإن الجمهور كافأ «نقطة رجوع». إذ تخطت إيراداته حاجز المليوني جنيه (360 ألف دولار) في ثلاثة أسابيع. وهو رقم جيد جداً لشريط يُعرض في نيسان (أبريل).

شارع 18
منطقة المعادي الهادئة هي عادة المكان الوحيد في مصر الذي تعرف شوارعه بالأرقام لا الأسماء، بالتالي، فإن اسم الفيلم يدل المُشاهد من البداية على أنه يدور في شارع 18، أحد شوارع المعادي. إذاً، الساحة الهادئة ستشهد أحداثاً مشوّقة، والإعلان الترويجي للشريط أكد للجمهور أنه مقبلٌ على فيلم مخيف، يبدأ بجريمة قتل، ودماء مسكوبة على الشاشة، وعلى الأفيش الذي لم يحمل صور الأبطال، بل سكيناً ونهراً من الدماء.
غير أن الواقع في الشريط كان مختلفاً، فاللقطات المشوّقة في الإعلان هي نفسها في الفيلم من دون زيادة أو نقصان: فتاة تشاهد جريمة قتل من شرفة منزلها، والضحية هي صديقتها المقربة. ثم يكتشف الجمهور تدريجاً أن الجريمة لم تحدث، والهدف إقناع زوج والدة الضحية بأنها ماتت بدلاً من أن يقتلها هو، حتى يحصل على ميراثها، قبل بلوغها سن الرشد. مهمة التخطيط والتنفيذ يستلمها أخوه غير الشقيق، وهو مرتبط بعلاقة عاطفية مع الشاهدة الوحيدة التي لا تعرف طيلة الوقت أنها شهدت على جريمة لم تحدث، بينما الضحية مرتبطة عاطفياً بشاب يحاول اكتشاف اللغز. وفي هذه الأثناء، يحقق رجال الشرطة ويختفون ويرجعون من دون جدوى.
العمل الذي لم يحقق إيرادات ترضي منتجه محمد العدل، اعتمد على مجموعة من الممثلين الشباب، تخطوا مرحلة الوجوه الجديدة، ما عدا عمر حسن يوسف. غير أن ميس حمدان وأحمد فلوكس ودنيا سمير غانم الذين سبقت لهم المشاركة في أفلام سينمائية أو مسلسلات تلفزيونية، لم ينجحوا في جذب الجمهور. أضف إلى ذلك أنّ الكاتب عمر شامة والمخرج حسام الجوهري يقدمان في «شارع 18» أول أعمالهما السينمائية. ورأى النقاد أن الفيلم انطلق كعادة تلك الأفلام من فكرة جيدة، لكن فريق العمل لم يحسن تحويلها إلى شريط متماسك، مترابط الأحداث، على رغم خبرات المنتج، ومشاركة الممثلين المخضرمين سامي العدل وسامح الصريطي.

كامب
لا شكّ في أنّ أفلام الرعب المباشرة التي قدمتها السينما المصرية قليلة للغاية. قد يذكر الجمهور منها «التعويذة» و«الإنس والجن» لكثرة عرضهما على شاشات التلفزيون. لهذا، كانت نقطة القوة الوحيدة في فيلم «كامب» أنّه أول فيلم «رعب» (بالمعنى السينمائي للكلمة) يقدّم منذ ربع قرن تقريباً. لكن هذا التعريف لم يكن كافياً للشريط الذي حقق صدى إعلامياً مقبولاً، بخلاف أفلام أخرى شاركت في بطولتها وجوه جديدة، وطرحت في التوقيت نفسه مع «بنات وموتوسيكلات» و«أيامنا الجاية». لكن الصدى الإعلامي لم يصل إلى الجمهور، ربما بسبب تميُّز فيلم «نقطة رجوع» الذي كان خيار المشاهد الأول، وخصوصاً ذلك الراغب في مشاهدة تلك النوعية خلال الأسابيع الماضية. أضف إلى ذلك اعتماد «كامب» على وجوه جديدة منها ريم هلال وياسمين جمال وأيمن الرفاعي وأميرة هاني ومحمد الخلعي. حتى المخرج عبد العزيز حشاد قدم نفسه للمرة الأولى، بعدما عمل مخرجاً منفذاً للمسلسلات. أما المؤلف هيثم وحيد، فلم تحقق تجربته الكوميدية اليتيمة (فيلم «بحبك وبموت فيك»)، أي نجاح. وإذا بلطفي لبيب يمثّل الوجه الوحيد المعروف في العمل. كل ما سبق أسهم في عزوف الجمهور عن الشريط. أما النقاد، فوصفوه بـ«قماشة» جيّدة، لم تخضع للمسات الأخيرة. في إشارة إلى ضعف الإمكانات التقنية المتعلقة بالصوت والإضاءة، وفشل ترجمة بعض اللقطات المرعبة على الشاشة. «كامب» الذي ينتمي إلى السينما المحدودة الكلفة، يدور حول «شلة» شباب يذهبون في رحلة إلى معسكر مهجور هو «بيتش كامب». هناك تبدأ رحلة الرعب مع اختفائهم واحداً تلو الآخر، في محاكاة للفيلم الأميركي الشهير I Know What You Did Last Summer. وتدفعهم لحظات الرعب إلى إعادة اكتشاف ذواتهم من جديد، قبل أن يفيق الجمهور على أن الفيلم هو حلم لأحد أفراد تلك المجموعة. وهو ما رآه النقاد نقطة ضعف أساسية، تضاف إلى ما سبق. على أي حال، فإنّ المرعب لأبطال العمل لم يكن الفيلم نفسه ولا رد فعل الجمهور. بل القرارات الأخيرة الصادرة عن نقابة الممثلين! ذلك أنهم جميعهم ليسوا من خريجي أكاديمية الفنون، ما يعني أن تجديد تصاريح عملهم من الآن فصاعداً، سيخضع لمزاج الرقابة.

أدرنالين
قبل أكثر من عام، لم تكن أي شركة إنتاج لتوافق على تمويل فيلم يحمل اسم «أدرنالين»: فالكلمة العلمية قد لا يعرف معناها إلا فئة محددة من الجمهور. لذا، لم تكن أي شركة لتخاطر بطرح فيلم على مشاهد، يريد أن يعرف معنى اسمه قبل اتخاذ قرار مشاهدته. ذلك الهرمون المرتبط بحالة تأهب الإنسان لتحمّل حالة الخوف والتوتر نتيجة خوض تجربة مرعبة، أصبح الفيلم الذي أوشك المخرج محمود كامل على إنهاء تصويره في الإسكندرية حالياً. وينطلق الشريط من جريمة قتل غامضة، يبحث المحقق (خالد الصاوي) عن مرتكبها. وتحوم الشبهات حول كل أبطال الفيلم (سامح الصريطي، وغادة عبد الرازق، وهاني حسين، وإياد نصار)، قبل أن يكتشف الجمهور في النهاية أن المتهم بريء، وأن القتيل حي، لكن الأسرار والمفاجآت لا تتوقف.
يبتعد الشريط تماماً عن منطقة «الرعب»، ويتوقف عند محطة «الإثارة» فقط، كما يقول لـ«الأخبار» المخرج محمود كامل. وهو يشيد بقدارت أبطاله، وخصوصاً أنهم لم يخوضوا هذا النوع من الأفلام سابقاً. في الوقت عينه، يراهن كامل على نجاح التجربة، «فالجمهور بحاجة إلى أفكار جديدة، لا في السينما فقط بل في الدراما التلفزيونية أيضاً». ولدى كامل مشروع تلفزيوني آخر هو «سطور الرعب» الذي بدأ العمل فيه، قبل أن تتبلور فكرة «أدرنالين». كتب الفيلم محمد عبد الخالق، وهو كاتب ومخرج مسرحي بالأساس. أما شقيقه سيد عبد الخالق، فهو صاحب فكرة «سطور الرعب». غير أن كامل لا يراهن على التخصص في هذا المجال، إذ يستعد لتنفيذ فيلم رومانسي بعنوان «ميكانو»، من بطولة تيم حسن.
يذكر أن «أدرنالين» من إنتاج الشركة العربية، وجاءت حماسة إسعاد يونس للمشروع لتؤكد أن أفلام الإثارة تحتاج إلى منتج مخضرم ــــ تماماً كما حدث مع «نقطة رجوع» ــــ وربما أكثر من الأفلام الكوميدية والشبابية. ذلك أنّ أفلام الإثارة تحتاج إلى طاقات أكبر، إذ يدخل «أدرنالين» مناطق تصوير غير تقليدية، مثل «مصلحة الطب الشرعي في زينهم» أو «مشرحة زينهم» والمقابر، إلى جانب أماكن تصوير خارجية عدة. ويأمل المخرج أن يعرض العمل مطلع الصيف المقبل، لتنافس أفلام الإثارة نجوم الكوميديا للمرة الأولى.

أحلام حقيقية
في تشرين الأول (أكتوبر) 2007، استقلبت دور العرض فيلم «أحلام حقيقية» الذي مهد لموجة أفلام الرعب والإثارة التي تجتاح حالياً دور العرض المصرية. يدور العمل في إطار تشويقي يميل إلى الرعب، عن زوجة تهمل زوجها وابنتها، وتعاني فراغاً عاطفياً. تلتقي زميلة جديدة في العمل، فتقترب منها سريعاً، ثم تداهم الزوجةَ أحلامٌ مرعبة تُفاجأ بحدوثها لاحقاً على أرض الواقع. وبعدما يلقى ثلاثة أشخاص حتفهم، تفكر في الانتحار، ظنّاً منها أنها هي من تقتل الناس وهي نائمة، وخوفاً على ابنتها الصغيرة من المصير نفسه. لكنها، في لحظة بين النوم واليقظة، تتذكر موقفاً يكشف لها هوية الجاني الحقيقي.
الفيلم الذي بدأ تصويره قبل عامين من عرضه، اعتمد على أسماء نجوم: حنان ترك وخالد صالح وفتحي عبد الوهاب وداليا البحيري، ومعهم الراحلة ماجدة الخطيب. لكن النجوم هم الذين أسهموا في عدم تحقيق «أحلام حقيقية» (كتابة محمد دياب وإخراج محمد جمعة)، الصدى المرجو. كيف؟ دخلت داليا البحيري في مشكلات مع المخرج والمنتج، فقاطعت العرض الخاص للفيلم. أما حنان ترك التي صورت العمل قبل الحجاب، فلم تكتف بمقاطعة العرض الأول، بل أعلنت أن بعض مشاهدها في الفيلم «غير شرعية، لأن التلامس بينها وبين أي ممثل حرام شرعاً».
في المقابل، بذل خالد صالح وفتحي عبد الوهاب وبقية فريق العمل، جهداً كبيراً لضمان دعاية جيدة للشريط. لكن موقف البحيري وترك منه، أثر سلباً في الترويج له، أضف إلى ذلك أن الكاتب محمد دياب، خرج بدوره ليؤكد أن هناك مشاهد أضيفت وحذفت من دون علمه، وبالتالي، أعلن عدم مسؤوليته عن النتيجة النهائية التي ظهر بها «أحلام حقيقية»، على رغم أنه نُفّذ بتقنيات عالية ومكلفة.


ملاكي اسكندرية
يبقى فيلم «ملاكي اسكندرية» (تأليف محمد حفظي، إنتاج 2005) صاحب الشعبية الأولى بين أفلام الإثارة التي قدمت في السنوات الثلاث الأخيرة. وهذه الشعبية تلتقي أيضاً مع الريادة، إذ مثّل الشريط، العمل الأول الذي يقدّم هذا النوع من الأفلام منذ سنوات طويلة، عبر إمكانات إخراجية وتمثيلية بهرت كثيرين في صيف 2005. وعلى رغم صعوبة مشاهدة «ملاكي اسكندرية» مرة أخرى بالنسبة إلى المتفرج الذي عرف السر من المرة الأولى. فإنه ما زال يتمتع بجماهيرية تلفزيونية كبيرة كلّما تكرر عرضه. ذلك أنّ تفاصيل العمل المتشابكة ما زالت تغري المتفرج، لاكتشاف حقائق ولقطات أخرى. إلى جانب ذلك، هناك المستوى المميز لأبطاله، سواء أحمد عز أو غادة عادل أو محمد رجب أو محمود عبد المغني أو نور. كما يعدّ الشريط من أبرز ما قدّمه خالد صالح في مسيرته القصيرة مع السينما. وهو أيضاً درّة نتاجات المخرجة ساندرا نشأت التي لم تقدم بعد هذا الشريط، إلا «الرهينة» مع أحمد عز أيضاً، ولم يحقّق النجاح نفسه. والمخرجة والبطل يراهنان اليوم على «مسجون ترانزيت» الذي أوشكت ساندرا على إنهاء تصويره، للعرض في موسم الصيف. ويشارك في بطولته صلاح عبدالله وإيمان العاصي مع الفنان نور الشريف.