strong>حسين السكافولدت فكرته قبل عشرين عاماً، حين كانت صالات السينما في كوبنهاغن تضيق بزوّار المساء. «مهرجان المساء للأفلام السينمائية» أتى ليقدّم أفلاماً تصعب عادةً مشاهدتها في صالات العرض الدنماركية المعروفة، المكتظّة بالأفلام الأميركية والتجارية. ومنذ أيام، أسدل الستار على فعاليات الدورة 19 من هذا المهرجان العريق الذي عرض 169 فيلماً من أكثر من 40 دولة (الولايات المتحدة، تايوان، فرنسا، أوستراليا، الهند...) تناولت مواضيع مهمّة، منها الدين والتعصّب ومشاكل الجيل الثاني من المغتربين... وصولاً إلى المجاعة والأمراض الفتّاكة. إلا أنّ المتعة كانت في أفلام الدول «الفقيرة» التي نادراً ما تجد لها أفلاماً في الصالات السينمائية العالمية مثل أميركا اللاتينية. وقد حظيت أفلام الدول الآسيوية باهتمام الجمهور، مثل شريط «الجبل الأعمى» للمخرج الصيني لي يانغ. والفيلم يسلّط الضوء على قنبلة اجتماعية موقوتة باتت تهدّد الصين، وتتعلّق بسياسة الطفل الواحد، ما أدّى إلى صعوبة عثور الرجل الصيني على زوجة نظراً إلى تدني نسبتهن في المجتمع. الا أنّ اللافت هذا العام، كان الحضور القوي الذي سجّلته دول الشرق الأوسط، وخصوصاً الإسلامية منها. إذ عُرض الفيلم الإيراني «حافظ» لأبو الفضل جليلي الذي مُنعت كل أعماله (15 فيلماً) في بلده. وهذا الأمر من ميزات المهرجان الذي يعرض الكثير من الأفلام الممنوعة في بلدانها. في عمله الذي حاز جائزة النقاد في «مهرجان روما السينمائي» العام الفائت، وظَّف جليلي أبيات الشاعر الفارسي الشهير حافظ الشيرازي (1327 ــــ 1389) للدخول إلى مشاعر الحب الأولى وتلمس مشاكساته. محمد (مهدي مرادي) المتعلم وحافظ القرآن، كُلِّف بتعليمه لابنة المفتي. هكذا تقرّب منها من خلال الشعر، لتنشأ بينهما قصّة حب رغم الجدار العازل الذي يفصلهما. وقد استخدم المخرج قصائد منتقاة للشاعر العرفاني الملقّب بـ«لسان الغيب»، لتكون خلفيّة لمعظم مشاهد الشريط. وهي القصائد التي أدّت أيضاً إلى طرد محمد من المدينة والافتراق عن حبيبته. يصوّر الشريط الطبيعة الريفية الإيرانية، مسلّطاً الضوء على العادات والتقاليد لدى أبناء البيوت الطينية. الفيلم الآخر الآتي من الشرق، على رغم إنتاجه الأميركي، هو الوثائقي «الجهاد من أجل الحب» للمخرج الأميركي الهندي الأصل برويز شارما الذي كتب السيناريو أيضاً. يسلّط الشريط الضوء على مثليي الجنس المسلمين، وقد صورت مشاهده في أكثر من عشرة بلدان. إلا أن عنوان الفيلم لا يخلو من الاستفزاز. فقد أعاد المخرج استعمال كلمة «جهاد» بشكل مناقض تماماً لمعناها المحنّط في المنظور الغربي اليوم. بعيداً عن معناها المتداول، أراد المخرج الانطلاق من دلالة هذه الكلمة التي تتفتّق عن وظائف وأبعاد جديدة.
ومن باكستان، شارك «ابن الأسد» (إنتاج أوسترالي ــــ 2007) لبنيامين غلمور، متناولاً صراع الأجيال من خلال صبي يطمح إلى إكمال الدراسة، بينما يريد والده أن ينضمّ إلى ورشة العائلة التي تمتهن صناعة الأسلحة.
أمّا الفيلم العربي الوحيد المشارك في المهرجان فكان «وعلى الأرض السماء» للمخرج اللبناني شادي زين الدين. وهو باكورة المخرج الشاب الذي استغرق أربع سنوات في إنجازه. الشريط من بطولة رفيق علي أحمد وكارمن لبس ونايا سلامة، شارك في «مهرجان دبي السينمائي» الأخير. يقرأ المشاهد في الشريط جرأة من خلال الرؤيا السينمائية التي يتمتع بها مخرج العمل: الحرب أو «الحروب» اللبنانية التي حوّلت ضحكات الأطفال إلى مجرد تشنجات خائفة، لا يمكن محوها من الذاكرة. وبعيداً عن المواقف السياسية والشعارات الرنانة، يطرح الفيلم أحلام الإنسان اللبناني البسيط وهي تتهشم على دكة السياسة والشعارات والحروب. فالإنسان البسيط هو الضحية الأولى والأخيرة لنيران الحروب وشظاياها التي تحفر مكانها عميقاً في الذاكرة. لكن مهلاً، فالصورة ليست سوداوية إلى هذا الحد. لقد أنقذت رؤيا المخرج وكاتب السيناريو شادي زين الدين الموقف. إذ يتقاسم الفيلم مشاهده بين الحب والحرب، الأمل والذاكرة وعمق الرغبة في الحياة. الفيلم بكلمة أدق، هو دعوة إلى الوقوف والتأمل في مستقبل بلد صغير جميل تأثرت به العديد من بلدان العالم ثقافياً وفنياً.
ومن الأفلام المشاركة التي تطرح في مضمونها قضية الصراع الذي تعيشه الأجيال المتعاقبة من العرب والمسلمين في الغرب، كان «مع السلامة يا جميل». وهو باكورة المخرج عمر الشرقاوي (إنتاج دنماركي)، حصل على جائزة النمر الذهبي في «مهرجان روتردام» الأخير. ينتمي عمر الشرقاوي المولود في كوبنهاغن، إلى أصول فلسطينية. ويتناول شريطه حياة الشباب المغترب، وخصوصاً الفلسطيني في الدنمارك. يبحث المخرج في فيلمه عن الهوية، التي أصبحت هاجساً مريراً عند الجيل الثاني من أبناء المهاجرين والمنفيين والمغتربين العرب. ولا تذهب رسالة «مع السلامة يا جميل» بعيداً عن رسالة الفيلم المشارك الآخر «عين بعين». إذ إنّ مخرجه كايوان محسن هو أحد المغتربين الشباب في الدنمارك أيضاً. وقد تناول مشاكل الشباب الأجانب (والمتناحرة) في هذا البلد الاسكندينافي الذي عاش امتحاناً صعباً مع جالياته المسلمة بعد حادثة الرسوم الشهيرة.