نوال العلي لن تكون «صلاة من أجل العائلة» (المركز الثقافي العربي) الرواية المفضلة لقارئ يبحث عن تسلسل الأحداث وتطوّر الشخصيات. إنّها عمل قائم على حدث لا يمكن أن يتطور، فهو نهاية بحدّ ذاته: موت روز والدة الراوية. من خلال الفقدان، تتيح الروائية رينيه الحايك لبطلتها قراءة ماضيها على نحو مختلف، ليجيء العمل متعلّقاً بحركة ذهنيّة داخلية عميقة وبطيئة. إذ لا تُسقط الحايك من اعتبارها البعد النفسي في سرد التفاصيل التي أسّست لعلاقة الراوية بوالدتها، في غياب الأب الذي خُطف في الحرب وتجهل العائلة مصيره.
تقوم الرواية على علاقة الأم ـــ الابنة. وقد انحصرت الأعمال التي تركّزت على هذه الثيمة، بضرورة غياب الأم أو فقدانها لكونه حدثاً رئيسياً. حتى ينسحب هذا الغياب على وجود الأم/ الذات، فيما يطغى حضور الأم/ الموضوع، ومن وجهة نظر الابنة دائماً. بيد أنّ الحايك تخرج قليلاً عن هذه النمطية، فتلعب دور الابنة/ الأم في الوقت عينه، فالأم هي نفسها، لكنّها ستوجد الآن في سياق حضاري مختلف، إذ تهاجر الراوية وزوجها أنطوان للعيش في «كليفلاند»، حيث تستكشف حقيقتها وتقاطعاتها مع أمور لطالما كانت ترفضها في أمها. لكنها أيضاً، ترسم صورةً مختلفةً لتوقّعات المرأة/ الأم من نفسها، ورؤيتها إلى دورها، فتبدأ الدراسة في عمر متأخر، وتخلق لنفسها حياةً خاصةً وسريةً تستغرق فيها بالتأمل، وممارسة الرياضة، والقراءة، والوقوع في الحب، وتكوين صداقات خاصة، ثم العمل... أي إنها تُخرج الأم من المكان المنزلي إلى العالم الأوسع.
وإذ تعود الراوية إلى بيروت لتعيش مع أمها روز أيامها الأخيرة، تحاول رؤيتها من أكثر من زاوية. كأنها تريد أن تبرز الأم/ الذات، علاقتها بزوجها المفقود، وتجربتها مع الفقر والعمل خادمة، ونظرتها لدورها وصورتها وهي امرأة تقليدية. فروز ترفض مثلاً تمرّد شقيقتها التي تركت زوجها وابنتها وهربت مع رجل ثري إلى دمشق. ولا يشفع لهذه الأخيرة ماضيها المؤلم المشترك بين الشقيقتين.
نحن أمام سلسلة من النساء المهيضات اللواتي نكّلن بأنفسهن كلٌّ على طريقتها. في روايتها التاسعة ، تقدّم صاحبة «بورتريه للنسيان» و«شتاء مهجور»، كتابة نسوية بحق. وفي الوقت عينه، تستظهر العيوب التي باتت لصيقة بتصوّر المرأة عن نفسها.