السعوديّة ♥ الكتاب، وتجربة الانفتاح مستمرة بنجاح كبيرالرياض ـ علاء اليوسفي
الكتب السياسيّة والدينية والأدبيّة والفكريّة «المحرّمة» وصلت إلى القارئ السعودي في عقر داره.صحيح أنّه «انفتاح موسمي» يقوم على لعبة توازنات داخليّة، لكنّ معرض الرياض بات ينافس بيروت والقاهرة مجتمعتين في حجم المبيعات. ما الجديد هذا العام؟
لا جديد نوعياً يحمله «معرض الرياض الدولي للكتاب» هذا العام على صعيد الانفتاح. فالمعرض الذي بدأ أول من أمس ويستمر عشرة أيام، زادت فيه جرعة الحرية بعد انتقال مسؤولية تنظيمه من وزارة التعليم إلى وزارة الثقافة والإعلام، منذ ثلاث سنواتوقد رست هذه «الحريّة» على توازنات باتت تمثّل سقفاً لما يمكن أن يبلغه المعرض في المدى المنظور.
تبدو الوزارة مصمّمة على أن تحذو حذو معارض الكتب العربية، فاتحةً المجال أمام أكبر عدد ممكن من الكتب «الممنوعة» في السوق السعودية. لكنّ تلك المؤسسة الرسميّة لا تستطيع أن تتجاوز رقابة السلطة الدينية المتمثلة بـ«هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»... علماً بأن الهيئة تبدو مغلوبة على أمرها في معرض يرعاه الملك شخصياً. وهذا يعني أنّ الكفّة في هذا النزاع باتت تميل إلى الوزارة. لكن هذا لم يمنع حظر مجموعة من الكتب، منها دواوين لمحمود درويش وبدر شاكر السياب وإيليا أبو ماضي، كذلك بعض عناوين عبد الرحمن منيف التي كانت متاحة العام الماضي، وما زالت جميع كتب تركي الحمد ممنوعة. ومن الكتب التي يُتوقع أن تثير ضجة هذا العام «الشخصية المحمدية» لمعروف الرصافي (دار الجمل)، وكتابان صادران عن «دار طوى» هما «سلطة الكهنوت» للسعودي مجاهد عبد المتعال، و«حكايتي مع العلمانيين» لإبراهيم الشحبي.
أما التوازنات بين الوزراة و«الهيئة» فقد انعكست على أرض المعرض على مستويات عدّة. إذ استطاعت الوزارة أن تضفي صفة شرعيّة للاختلاط بين الجنسين، من خلال جدول يومي يخصّص يوماً للعائلات ويوماً للرجال، ولو أنّ النتيجة تبقى أقرب إلى مبدأ «للرجل مثل حظ الأنثيين»... فالفترات المخصصة للرجال تفوق بمجموعها ما هو متاح للنساء.
كذلك نجحت الوزارة في تقليص الرقابة بشكل نوعي، فأفسحت للكتب السياسيّة والدينية والأدبيّة والفكريّة «المحرّمة» طريقها إلى القارئ السعودي، لكنها ما زالت ترفض أن تنزل هذه الكتب إلى المكتبات السعودية خارج أيام المعرض. لذلك، حذّرت من تداولها بالجملة، وسمحت لكل زائر باقتناء خمس نسخ كحد أقصى من الكتاب الواحد، تحت طائلة المسؤولية.
هذه الإجراءات لم تعجب بالتأكيد المطاوعة وجمهورهم الذين راحوا يفرغون شحنات غضبهم عبر منتديات الإنترنت، مستنكرين وجود الكتب «الخليعة». وقد علّق روائي سعودي شاب من قرّاء «الأخبار»: «لو مرّ المعرض على خير، وبمستوى الانفتاح الذي شهده العام الماضي، فسيعدّ إنجازاً خطيراً في المملكة».
ذلك أن الوضع يبقى هشّاً وقابلاً للتغيّر في أي لحظة. إذ إن للمطاوعة سلطةً لا يمكن تجاوزها واقعاً وقانوناً. وهناك شرائح متزمّتة من المجتمع الأهلي، يمكن أن تمارس رقابة الأمر الواقع. ما زلنا نذكر جيداً ما حدث منذ سنتين حين أقدم محافظون على تخريب إحدى الندوات على هامش المعرض، أو عندما حاصر أحد الناشطين الأصوليين مع مريديه، في مناسبة أخرى، جناح إحدى دور النشر، لمنع عرض كتب معينة لا تتوافق مع مزاجهم الأيديولوجي.
لهذا السبب ربّما اضطرت وزارة الثقافة والإعلام هذا العام إلى مجاراة تلك الفئة الاجتماعية، قطعاً للطريق أمام التخريب... فتم الاتفاق مع المطاوعة على تمثيلهم في المعرض، عبر مكتب دائم إلى جانب مكتب لدائرة المطبوعات. وبات على من يريد الاعتراض على وجود بعض الكتب أن يسلك آلية تنظيمية محددة، توجب عليه أن يملأ استمارة يرفعها إلى «الهيئة» لدراستها، ولدائرة المطبوعات وحدها الحق في اتخاذ القرار النهائي. وقد صودرت العام الماضي بعض الكتب، منها كتاب «عمر بن الخطاب، السيرة المتوارية» (دار حوار ـ سوريا).
وكذلك انعكس التوازن الذي رسا عليه شد الحبال، بين انفتاح وانغلاق، سلباً على الفعاليات المرافقة للمعرض. إذ انحصرت للعام الثاني على التوالي بموضوع الكتاب والنشر، منعاً لإثارة الحساسيات التي يمكن أن يسببها طرح المسائل الإشكالية كما حدث سابقاً.
ورغم كل ما سبق، ليس هناك أدنى شكّ في أن المعرض بات يمثّل، منذ ثلاث سنوات، حدثاً غير عادي وسط القحط الثقافي الذي تعاني منه مدينة الرياض. والازدحام الشديد الذي تشهده هذه التظاهرة، حافل بالدلالات المعبّرة التي توقّف عندها وكيل وزارة الإعلام للشؤون الثقافية والمشرف على المعرض عبد العزيز السبيل قبل أيام. إذ إنّ معرض العام الماضي شهد ما يقارب 60 ألف زائر خلال يوم واحد، وهذا العام يتوقّع أن يتضاعف المعدّل العام لحركة الإقبال الذي تنعم دور النشر اللبنانية بالنسبة الأعلى منه. يشارك من لبنان حوالى 31 ناشراً، كـ«الآداب»، و«الريس»، و«الفارابي»، و»الساقي» و»النهضة» و»المؤسسة العربية للدراسات والنشر»...). ويرى بعض المشرفين على تلك الدور أن ما يبيعونه في معرض الرياض يفوق ما يُباع في معرضي بيروت والقاهرة مجتمعين! ويأتي الإقرار بذلك من المنظمين أيضاً، إذ ارتأوا هذا العام نقل بعض دور النشر اللبنانية التي تشهد إقبالاً كبيراً، إلى فضاء يتمتع بممرات أوسع لاستيعاب الزوار.
تكمن المفارقة في انخفاض عدد دور النشر المشاركة هذا العام، إذ إنّ المعرض يستقبل 550 دار نشر من 22 دولة تعرض حوالى 200 ألف عنوان، منها 90 دار نشر سعودية. علماً بأن معرض العام الماضي ضم 600 دار نشر شاركت فيه 16 دولة.
أما الفاعليات الموازية للمعرض، فيشارك فيها حوالى 70 مثقفاً، ربعهم تقريباً من خارج السعودية. وتحل اليابان ضيف شرف هذا العام «ليطّلع رواد المعرض على جزء من ثقافة هذا الشعب الشرقي الذي نشعر بحاجة للتعرف إليه أكثر» كما يوضح عبد العزيز السبيل. من ناحية أخرى، يُكرّم هذا العام الرواد المؤسسون في الصحافة السعودية، ورؤساء تحرير بارزون من رموزها، فيما حملت الممرات أسماء الراحلين من هؤلاء الرواد. ويأتي البرنامج الثقافي منوّعاً، تخصص ثلاثة أيام منه للفاعليات اليابانية، منها ندوة عن «تجربة خطّاط ياباني مع الخط»، وكذلك عن أفلام «الكرتون وتاريخها في اليابان». كما تقام ندوات عن تجربة الإصدارات الأولى، وعن الوثائق التاريخية، إضافة إلى صناعة القراءة وآفاق الثقافة والإنترنت والسرقات الفكرية... وسيتخلل البرنامج حوار مفتوح مع الناشرين، وحديث عن بعض المؤلفات وكيفية النشر، وندوة نسائية عن الأدب النسائي المغاربي.
ومن التجديدات التي أدخلت الى الدورة الحاليّة، إطلاق موقع إنترنت خاص بالمعرض، يقدّم للراغبين كميّة وافرة من المعلومات والتفاصيل والإضاءات، حول المعرض ودور النشر المشاركة، وجدول البرنامج الثقافي، وبعض ما نشر حول المعرض في الصحافة السعودية.


www.riyadhbookfair.org.sa


اختــلاط ورذيلــة وحداثــة... وانحــراف فكــري وأخلاقــي
من وحي سجال الحرية والرقابة والاختلاط الذي يترافق مع معرض الكتاب كل عام، صدر بيان نُشر على شبكة الإنترنت عن مجموعة من الدعاة السعوديين المعروفين، من بينهم الشيخ عبد الرحمن البراك، والشيخ عبد العزيز الراجحي، والشيخ ناصر العمر، يعبِّرون فيه عن رفضهم واستنكارهم «لمعرض الكتاب الذي تشرف عليه وزارة الثقافة والإعلام، إذ اشتمل على كثير من المخالفات الشرعية، وجاء مصادماً للسياسة الإعلاميةالبيان استهجن «فتح الباب لجميع دور النشر العربية والعالمية، وفيها دور تروّج للرذيلة، وغايتها المال من أي طريق، فتنشر الغث والسمين، وما يحارب دين الإسلام وكتب الانحراف الفكري والأخلاقي ككتب الحداثة والجنس».
كما ندَّد الموقِّعون بحصول الاختلاط في المعرض بين الرجال والنساء، ولا سيما مع الزحام وضيق الممرات. وختم البيان برسالة إلى وزارة الثقافة بأنه ينبغي لها «إعادة النظر في سياسة المعرض».
وعلى خط السجال المستمر، حذّر المفتي العام للمملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ من دور تبيع الكتب التي تضر بعقائد الشباب، وتشكّكهم في دينهم في المعرض، وفقاً لما نشره موقع «آسية» الإلكتروني. وقال المفتي: «لا يجوز اقتناء الكتب التي يغلب عليها التشكيك بعقائد الإسلام أو بيعها»، مضيفاً: «ما يشتريه الشباب من كتب تحتوي على أفكار ضالّة أو منحرفة يؤثر عليهم، وهي تمثِّل ضرراً على الأمة».