بيار أبي صعبيوسف رخّا يكتب كمن يهدد العالم. نصّه الصادر عن «دار الريّس» (سلسلة «الكوكب»)، بعنوان «بورقيبة على مضض ـ عشرة أيام في تونس» قنبلة موقوتة، قد تنفجر في أي وقت. ليست كتابة عاديّة، بل صراخ ودموع وشبق ورقّة كاوية، دهشات وانفعالات وتهريج، ضحكات لئيمة ماجنة، غضب سياسي ووجودي دفين، شعر ونثر وريبورتاج، تداعيات ومذكرات وأدب رحلات... خلاصة لقاءات وقراءات ومشاهدات تحتكم إلى ذائقة أدبية خاصة. كلمات كثيرة متلاطمة، وحكايات لا تحصى تتقاطع في أمكنة وأزمنة مختلفة. نلهث وراءه، نحاول أن نرتّب كل مشهد، كل عبارة، في مكانهما الأصلي. يكتب لغة الحياة الجارفة، بمستويات عامية مختلفة تندسّ في فصحى رؤيويّة متدفّقة. يكتب كما الأنبياء الملعونين يوسف رخّا. كتابة «تجهيزيّة» إذا شئنا، عمل مركّب بمواد وتقنيات مختلفة.
إنها دفاتر رحلة صيفية إلى تونس (2005). فعلها من قبل في «بيروت شي محلّ» (كتاب «أمكنة»، 2005). تونس التي يعرفها من خلال مسرحيّة للفاضل الجعايبي («فاميليا») شاهدها ذات يوم في «المسرح الصغير». من خلال أنور براهم، إذ باتت أسطوانة «مقهى استرخان» الشريط الصوتي لحياته. لكنّه كالعادة يحمل معه جحيمه إلى المدن الأخرى، قصّته وجراحه وتاريخ مصر وأوجاعها. «ينتابني بصاق لاإرادي كلّما رأيت كلمة نعم» يكتب. ينال الرئيسان مبارك وبن علي نصيبهما من تلك السخرية المترفة التي لا مثيل لها في الأدب العربي المعاصر، لأنها مترعة بيأس دادائي فظيع. يلطش أيضاً محمود درويش: «منطق النجوميّة يعيد إنتاج الطغيان السياسي، في الشعر». يبحث عن بورقيبة. يسترجع عليسة وأبو زيد الهلالي. تعود بيروت وفلسطين باستمرار، و«العروبة مرّة أخرى. أبحث عنها بحجّة الفنّ. الحق أنني أبحث عن نفسي بحجّتها...». مطلوب القبض على يوسف رخّا!