strong>90 صحافياً في لندن، 30 مكتباً حول العالم،و70 عاماً من الخبرة! تلفزيون BBC الناطق بلغة الضاد، يبدأ بثّه هذا الصباح، رافعاً سقف التحدّي... بعد «الحرّة»، و«دويتش فيلله»، و«روسيا اليوم»، و«فرانس 24»، أيّ جديد قد تحمله هيئة الإذاعة البريطانية، لمشاهد عربي «عشقته» فجأة الفضائيات الغربية؟

لندن ـ أيمن جابر
في منتصف تسعينيات القرن الماضي، قررت هيئة الإذاعة البريطانية BBC إطلاق تلفزيون باللغة العربية. لكن التجربة انهارت سريعاً إثر خلاف مع الشريك السعودي (شبكة «أوربت»)، وذلك بعدما بثّ التلفزيون تقريراً عن وضع حقوق الإنسان في السعودية. ومع بدء تدافع الغرب لإنشاء فضائيات ناطقة بلغة الضاد في السنوات الأخيرة، عادت «بي بي سي» تبحث في أهمية تقديم محطة تلفزيونية، تتوجه إلى منطقتنا التي «تملك شغفاً بالمعلومات والنقاشات والحوارات». هكذا، وقبل عامين، اضطرت الخدمة الدولية في «بي بي سي» إلى اتخاذ قرار بإيقاف البث الإذاعي لعشر لغات من أصل 43 لغة، كانت تقدمها على مستوى العالم. أما السبب فهو رفض الحكومة البريطانية تقديم اعتمادات مالية جديدة للتلفزيون العربي، ما دفع بالخدمة الدولية إلى إيقاف بث تلك اللغات، في سبيل توفير التمويل الكافي لانطلاق المشروع التلفزيوني.
أما اليوم، وبعد أشهر من التحضيرات والتأخيرات المستمرّة، ينطلق أخيراً بثّ تلفزيون «بي بي سي» العربي. ولأن المحطة الوليدة تدرك حجم التحدّي الكبير الذي ستواجهه في سوق فضائية مشبعة، يمتلك فيها المنافسون موارد مالية هائلة، وتحتلّ «الجزيرة» و«العربية» موقع الصدارة... يعوّل تلفزيون «بي بي سي» على تراث الخدمة العربية لهيئة الإذاعة البريطانية، الممتد على مدار سبعين عاماً، أي منذ إطلاق إذاعتها العربية في عام 1938.
يبدأ بث المحطة عند العاشرة صباحاً بتوقيت غرينيتش (12 ظهراً بتوقيت بيروت)، على أن يمتد إلى 12 ساعة يومياً، ثم يزداد في الصيف المقبل ليبلغ 24 ساعة. ويندرج إطلاق الشبكة الجديدة ضمن مشروع ثلاثي، تعمل BBC على تنفيذه، ويهدف إلى تحقيق اندماج بين التلفزيون والإنترنت والإذاعة، يكرّس للتفاعل بينها. لذا، يترافق انطلاق المحطة الجديدة مع إعادة تنظيم موقع «بي بي سي» الإلكتروني باللغة العربية (bbcarabic.com)، على أن يبث أيضاً أشرطة فيديو. كما أعيد النظر في برامج الإذاعة الناطقة بالعربية، لتعكس هذه المقاربة الجديدة المتعددة الوسائط. وتصل موازنة التلفزيون إلى 38 مليون دولار، من المقرر أن ترتفع لاحقاً إلى خمسين مليوناً مع زيادة عدد ساعات البث إلى 24.
لكن «الحرة» الأميركية، و«دويتش فيلله» الألمانية، و«روسيا اليوم»، و«فرانس 24»... جميعها انطلقت بتمويل حكومي، ولم تحقق الصدى المرجو لدى الجمهور العربي. فأي جديد تراهن عليه «بي بي سي» التي تموّلها أيضاً الحكومة البريطانية؟ يؤكد القائمون على المحطة أن «بي بي سي» التي تهدف إلى «تعريف الناس بما يدور حولهم، لا تغيير آرائهم»، ستحتفظ باستقلاليتها التحريرية، «وهو ما سيميزنا عن باقي المحطات التي تتلقى تمويلاً حكومياً من دول غير عربية».
وماذا عن الرهانات؟ إضافة إلى تجربتها الإذاعية الطويلة في المنطقة، يقول نايجل تشابمان، المدير العام للخدمة الدولية في «بي بي سي»، إن هيئة الإذاعة البريطانية «اكتسبت صدقيتها لدى الجمهور العربي، لأن أخبارها تتسم بالحياد والدقة وعدم التحيز إلى أي طرف على حساب الطرف الآخر. كما أن أخبارها تتصف بعمق التحليل ومتانة العرض». من هنا، يؤكد تشابمان أن التلفزيون الجديد «سيعمل على تلبية حاجات المشاهدين الذين يميلون إلى متابعة الأخبار والبرامج الحوارية»، شارحاً أن «استطلاعات الرأي المستقلة أظهرت رغبة ملحّة في إنشاء قناة عربية لـ BBC».
وسط هذا الرهان على الموضوعية، يبقى السؤال عن البرامج التي ستقدمها «بي بي سي» العربية. يشير صلاح نجم، رئيس تحرير القناة إلى أن تلفزيون BBC العربي يضم في مقره في لندن 160 موظفاً، بينهم 90 صحافياً. كما يملك 30 مكتباً في العالم. ويذكُر نجم أن القناة ستبث موجزاً للأخبار كل نصف ساعة ونشرتين مفصلتين مدة كل منها ساعة، عند 20:00 و22:00 بتوقيت بيروت، إضافة إلى برامج وثائقية وحوارية، لعل أبرزها «نقطة حوار» الذي يحظى بإقبال جيد على أثير الإذاعة وعلى صفحات موقع الهيئة، على أن يعرض 3 مرات في الأسبوع. كما تراهن المحطة على إدراج فقرات تحليلية مع صنّاع القرار والمشاركين في اتخاذه أثناء نشرات الأخبار، وعرض برامج وثائقية تهمّ المشاهد العربي، وتناقش همومه في الصميم. ونجم الذي عمل في «الجزيرة» و«العربية»، قبل أن يلتحق بـ«بي بي سي»، يرى أنه «ليس بالكثير أن تكون هناك خمس أو ست فضائيات إخبارية، مع 100 مليون مشاهد محتمل في العالم العربي». أما «نجوم» المحطة، فبينهم: حسن معوض الذي قدّم برنامج «نقطة نظام» على «العربية»، وأدار إذاعة «بانوراما أف أم» التابعة لمجموعة «أم بي سي». هناك أيضاً اللبناني طوني الخوري الذي عمل في صحيفة «الحياة»، وMBC، و«العربية»، و«الحياة ــ LBC». كما تطلّ الأردنية لينا مشربش التي عملت سابقاً في التلفزيون الأردني، وتلفزيون «أبو ظبي»، و«أم بي سي»، و«الحرّة» و«روسيا اليوم»، إضافة إلى اللبنانية فدى باسيل التي اكتسبت خبرتها في «الحياة ـ أل بي سي»، وmtv، و«آيه آر تي»، و ANB. وبين مقدمي BBC أيضاً، تطلّ العراقية رانيا العطار التي عملت في «بي بي سي»، وتلفزيون «النهرين» في بغداد ثم «الحرّة». وأخيراً، هناك دينا وقاف، مقدّمة الأخبار على شاشة التلفزيون السوري، وداليا محمد، المذيعة السابقة في إذاعة دمشق.
ويستمع حالياً أكثر من 13 مليون شخص إلى إذاعة «بي بي سي» العربية أسبوعياً، فيما يصل عدد متصفحي موقع الإنترنت إلى أكثر من مليون مستخدم شهرياً. وتهدف المحطة الجديدة التي تبث عبر أنظمة «عربسات» و«يوتلسات» و«نايلسات»، إلى التوجه إلى حوالى عشرين مليون مشاهد أسبوعياً مع حلول عام 2010. والهدف الأكبر هو الوصول إلى 35 مليون متفرّج عبر التلفزيون والإذاعة والإنترنت.
بقي أن نذكر أن الولادة الثانية لتلفزيون «بي بي سي» العربي تأتي في ظل ظروف مغايرة تماماً للانطلاقة الأولى. في ذلك الوقت، كانت «بي بي سي»، القناة الغربية الوحيدة الموجهة إلى العرب، قد قدمت مستوى مهنياً جيداً، كما أبرزت العديد من الكوادر المدربة وفق أحدث تقنيات التلفزة البريطانية آنذاك. أما اليوم، فالجمهور العربي اعتاد مستوى مهنياً مختلفاً وحوارات صريحة، ما يجعل التحدي مضاعفاً. فهل تتفوق «بي بي سي» على القنوات الغربية الأخرى التي تنطق بلغة الضاد، والتي راهنت قبل انطلاقها أيضاً على الموضوعية، ثم راحت تروّج لخطاب الدول التي تموّلها؟ سؤال برسم الأيام المقبلة، قد يتوقف عنده أيضاً مشروع BBC التالي، وهو إطلاقها قريباً محطة ناطقة باللغة الفارسية، موجهة إلى إيران!