«أنا مُحبط وأحلامي مجهضة»... هكذا يختصر محمود سعيد وضعه اليوم، بعدما سئم من دراما لبنانية لا تمتّ إلى الواقع بصلة، وأخرى عربية لا تعرف سوى البكاء على الأطلال. الممثل الفلسطيني عاد أخيراً عبر الشاشة البرتقالية. وفي جعبته مشاريع عدّة، تمتدُّ من دمشق إلى الرياضباسم الحكيم
بعد أربعة عقود من التألّق الدرامي، يقول محمود سعيد إن أحلامه أحبطت جميعها. سقط رهانه مع جيل من المخضرمين بين ممثلين وكتّاب ومخرجين، على عودة مياه الدراما اللبنانيّة إلى مجاريها من جهة. ولمس قصور الدراما العربيّة في نقل معاناة الشعب الفلسطيني وقضيته مع المحتل الإسرائيلي، من جهة ثانية. في الأولى، يحمّل نفسه، قبل غيره، مسؤولية الفشل في إعادة الروح إلى دراما تنبض بالواقع والحياة، «لأننا تعاطينا مع الأمور، كأن لبنان لم يعش ويلات الحرب بين 1975 و1990». بينما يحمّل مسؤولية التقصير الفني حيال القضية الفلسطينية إلى «من ينظرون إلى الوراء لتقديم أعمال تستعيد التاريخ من دون أن تستشرف مستقبل الصراع العربي ـ الإسرائيليوفي وقت عاد فيه أخيراً إلى الشاشة الصغيرة مع مسلسل «مالح يا بحر» للكاتب مروان العبد والمخرجة ليليان البستاني وإنتاج «رؤى بروداكشن» على شاشة OTV، يستعدّ اليوم لتصوير أكثر من عمل، بينها الجزء الثاني من «فارس ونجود» من إنتاج «سيدر أوف أريبيا»، وآخر من إنتاج مشترك بين الشركة والسعوديّة، وثالث في سوريا، يتكتم عن كشف تفاصيله. من هنا، يفضّل ألّا يعد نفسه بالحضور المستمر على الشاشات اللبنانيّة في الفترة المقبلة،«لأن الحلم الذي بدأ في أوائل التسعينيات مع مسلسل «أحلام» للكاتب إبراهيم الصادق والمخرج ألبير كيلو، قد انكسر. ذلك العمل الذي أعاد سعيد إلى الدراما اللبنانية بعد 12 عاماً من العمل في المسلسلات العربية، لم يأخذ حقّه، وبقيت التجربة يتيمة». يتذكر هذا المشروع الذي أطلقته LBC آنذاك، لجمع الممثلين اللبنانيين في مسلسلات محليّة والإفادة من أصواتهم أيضاً في الأعمال المدبلجة. ويشرح: «كنت أعمل في الأردن، حين قصدني المخرج ألبير كيلو أثناء التحضيرات لإطلاق مشروع المسلسلات المدبلجة في لبنان. ثم عقدت اتفاقاً شفهيّاً مع LBC على السير بهذا المشروع، بموازاة الإنتاج المحلي». ويعطي عُذراً للمشاهد اللبناني الذي تقبّل أصوات ممثليه في المسلسلات المكسكيّة من دون أن يرى وجوههم «لأنه اصطدم بعمل محلي لا يلامس قضاياه ولا يرصد يومياته. فليس منطقيّاً أن تدّعي تقديم مسلسل لبنانيّ من دون أن تحمّله شيئاً من معالم الهويّة اللبنانيّة». فشل «أحلام»، لكنّ ذلك لم يُثنِ سعيد عن المحاولة مرّة أخرى في منتصف التسعينيات مع المسلسل الرمضاني «تجارة عن تراضي» للكاتب مروان نجّار. وقد أنتجته شركة عربيّة، للسوق الخارجية، لكنه لم يحظ برضى المشاهدين اللبنانيين أيضاً عند عرضه على LBC، «لأنه عمل توجيهي عن التجارة في مفهوم الشرع الإسلامي».
يكرر سعيد استخدام عبارة أن «المسلسل اللبناني لا علاقة له بالواقع» مراراً. ولا يبعد مسلسليه «غداً يوم آخر» على MTV و«العنب المر» على «المستقبل» عن هذه التهمة، «لذا لا أعتبرهما محطتين في مسيرتي».
وما الذي تغيّر اليوم حتى عاد المشاهد اللبناني وفيّاً لمسلسله؟ هنا يرى أننا ما زلنا نعيش الزلزال، وإذا بالدراما التي يُفترض بها أن تكون مرآة للمجتمع، تعكس واقعاً مغلوطاً، لأن أعمالنا هي تقليد أعمى للمدبلج. ويفتح النار على مسلسلات الحلقات المفتوحة، وتحديداً «عواصف» شكري أنيس فاخوري على تلفزيون لبنان. لا يوافق الكاتب فاخوري، على أنه تطرق إلى مختلف الموضوعات الاجتماعيّة والسياسيّة في «العاصفة تهب مرتين» و«نساء في العاصفة»، واصفاً الشعار الذي ترفعه الدراما بأنه «هيّا بنا نلعب... فمشكلة الأسرة اللبنانيّة لا تختصر بشاب يسكر ويتعاطى المخدرات ويعود فجراً إلى بيته». ويسأل: «لماذا لا نصوّر حياة عائلة سائق سيّارة أجرة، أو معاناة عائلة تعيش في إحدى القرى اللبنانيّة أو حكايات عائلات في الضاحية الجنوبيّة». ويهزأ بـ «أنك ـ على الشاشة ـ إذا ركبت سيارةً، تصل فوراً إلى المكان الذي تقصده، من دون أن تلحظ المطبّات على الطرقات، ولا زحمة السير ولا حتى حركة السير التي تتوقف بالكامل عند مرور موكب سياسي». ويشير إلى أن «أوروبا بعد نهاية الحرب العالميّة الثانية، تحوّلت إلى السينما الواقعيّة، في ظل غياب الاستديوهات الكبيرة. آنذاك، شكّلت المدن التي أخذت نصيبها من الدمار، استديوهات طبيعيّة لأفلام عبّرت عن الواقع، في إنتاجات متواضعة وحركة كاميرا بعيدة عن الفلسفة، لأن الإمكانات لم تكن تسمح بتقديم عمل سينمائي بميزانية فيلم Sound of Music».
وإذا كان هذا موقف محمود سعيد من الدراما، فما الذي دفعه إلى الموافقة على الأعمال التي قدّمت بعد الحرب اللبنانيّة؟ يعيد التأكيد على أنّه «حلم الانطلاق من جديد... كنتُ بين عمل لبناني وآخر، أشارك في مسلسلين أو ثلاثة خارج لبنان، ولم أتوقف عن المشاركة في الدراما العربيّة». وهنا يثني على الدراما السوريّة، «وسر نجاحها أنها تدغدع أحلام الشعب السوري وطموحاته أو تسلط الضوء على تراثه». وينتقد الهاربين باتجاه صورة مجمّلة للواقع «لأنّ مَن يكتب عن الواقع يحمل رسالة». ويتذكر عبارة الكاتب الراحل محمد شامل حين قال «أضع الدواء في قالب كوميدي، لكن طعم البرشامة يبقى مرّاً». ومع ذلك، يرى أن مسلسل «مالح يا بحر» الذي تعرضه Otv، يحمل نكهة لبنان في زمن الانتداب الفرنسي وصولاً إلى الاستقلال: «وعلى رغم تنفيذه بكلفة إنتاجيّة بسيطة، فإنّه عكس صدق العاملين فيه، وقدّم نموذج الإنسان المتماهي مع المتسلّط الذي ما زال موجوداً». وهنا يبرر عدم اعتدال شخصيّة «خطّار» (دوره في العمل)، وهو الرجل المستبد على أهالي منطقته، «لتكون صفعة لأمثاله، الموجودين ليس في السياسة فحسب بل على كل المستويات». ويأسف سعيد لعدم تمكّنه من لقاء الكاتب مروان العبد للتحدث عن الشخصية التي أعاده بها، وهو الذي كتب له في بداية حياته مسلسل «التائه» مع وفاء طربية وأحمد الزين وإلفيرا يونس.
في المقابل، ينتقد الممثل الفلسطيني الأعمال التي ترصد القضية الفلسطيّنية منذ عام 1948، «لأنه لا يفيدني أن أجترّ تاريخي، بل يهمني أن أعرف أين نحن اليوم وإلى أين نتجه». وماذا عن أجيال لم تشهد تلك المرحلة، ألا تضيء أعمال مثل رواية غسّان كنفاني «عائد إلى حيفا» التي حوّلها المخرج باسل الخطيب إلى مسلسل تلفزيوني، على تلك الحقبة؟ يرى أن «هذا الأمر لا يترجم على الشاشة، وبدلاً من أن نقدم رواية غسّان كنفاني، فلنكشف في عمل درامي مثلاً كيف قُتل غسّان كنفاني»، لافتاً إلى أن «نشرة الأخبار فيها دراما، أكثر من الدراما». يقول: «الأماكن هي أكثر ما أذكره من فلسطين، وحين كنت أشاهد خبراً عن مدينة يافا، أبكاني مشهد المراسل الواقف بجانب ميناء المدينة. ليس ضروريّاً أن أرى المجازر اليوميّة ومقتل محمد الدرة أمامي لأتأثر. هناك مشاهد تؤثر فيك أكثر من مشاهد الدم». ويعود إلى «الرسالة» للمخرج مصطفى العقّاد، «ليست فيه معارك كثيرة ولا جحافل من الجيوش التي نراها في الدراما التاريخيّة والفنانتازيا، ولا الكثير من الدماء، ومع ذلك نجح في ملامسة مشاعر الوطن العربي». ويكشف أخيراً أن لديه أفكاراً واقعيّة عن رجل يضطر إلى التنقّل بين بيته في إحدى القرى النائية وبيروت، ويصادف على الطريق نماذج مختلفة من الناس «أعددت من العمل 15 حلقة، لكنني لم أتقدم بها إلى أي جهة إنتاج».



بحثاً عن
سميرة توفيق

قصّة الحبّ العاصفة التي عاشها «فارس ونجود» وحقّقت نجاحاً كبيراً عام 1973، كأول عمل بدوي ينتج في لبنان، ويوزّع على العالم العربي، ستتجدّد قريباً في إنتاج لشركة «سيدر أوف أريبيا». في الماضي، حقّق محمود سعيد شهرته في أكثر من عشرين مسلسلاً بينها «قادم من الضباب»، «السراب»، «التائة»، «هروب» و«الخديعة». تحوّل بعدها إلى الأعمال الرومانسيّة مع فدوى عبيد في «عليا وعصام»، ومع آمال عفيش في «سرّ الغريبة». ثم حان الموعد مع شريكته سميرة توفيق ليقدما معاً «فارس ونجود» في التلفزيون ثم ينطلقا صوب السينما مع أفلام «عنترة وفاتنة الصحراء»، «غزلان» و«عروس من دمشق»، قبل أن يستكمل سعيد رحلته مع مزيد من الأفلام مع «عنتر يغزو الصحراء» إلى جانب فريد شوقي والمخرج نيازي مصطفى في القاهرة، ومع فيلم «فداك يا فلسطين» مع الممثلة سناء جميل والمخرج الراحل أنطوان ريمي. وإذا كان الجزء الأول من مسلسل «فارس ونجود» قبل نحو خمسة وثلاثين عاماً، قد أضاء على قصة الحب البريئة بين فارس أو محمود سعيد الآتي من بطولات المسلسلات التاريخيّة والكلاسكيّة، ونجود أو سميرة توفيق التي سطع نجمها في الأغنيات البدويّة يومذاك... فإن نجود الجديدة ربّما تكون ممثلة عربيّة، لتحقيق معادلة «العمل الدرامي بمواصفات عربيّة» التي يبحث عنها المنتج والمخرج يوسف الخوري في معظم أعماله في السنوات الأخيرة، كاشفاً «أننا وصلنا إلى مراحل متقدّمة بالتحضير لهولن يكتفي سعيد بالعودة إلى الدراما العربيّة من خلال هذا العمل، فهو يدرس إمكان المشاركة في عمل سوري، ينفي تهمة الإرهاب عن المسلمين. يفضل تأجيل الإجابة الحاسمة عن العمل إلى ما بعد اجتماعه بالجهة المنتجة، «لأن هذه النوعية من أخطر المسلسلات، على اعتبار أن بعضها أساء أكثر مما أفاد. ودخل عليها الإصبع المغرض، ما عرّض بعضها للتوقف أثناء عرضه، وتلقى كتّابها ومخرجوها التهديدات. لذا لن أتكلم عن هذا المسلسل الآن».