فرح داغرإثر إعلان وزارة الخارجية الإسرائيلية أول من أمس مقاطعة «الجزيرة» رسمياً، على خلفية ما وصفته بتغطيتها «المتحيّزة» لأحداث غزة الأخيرة (راجع «الأخبار» عدد أمس)، أثارت القضية ردود فعل متباينة بين وسائل الإعلام الإسرائيلية. وقد أشارت «هآرتس» أمس إلى أن وزارة الخارجية الإسرائيلية شهدت انتقادات شديدة اللهجة لإعلان نائب وزيرة الخارجية مجلي وهبي (عربي درزي من حزب «كاديما»)، أن إسرائيل ستقاطع شبكة «الجزيرة» على خلفية ما وصفه بأنه «بثٌّ يُحرّض على العنف في السلطة الفلسطينية». وأكدت الصحيفة أن موظفين كباراً في الوزارة قالوا أول من أمس إنه «لم يُتخذ أي قرار لمقاطعة الشبكة»، مشيرين إلى أن تصريح وهبي «ورّط إسرائيل ووضعها على شجرة، ستجد صعوبة في النزول عنها». ومضت الصحيفة تشرح كيف فوجئت وزارة الخارجية بهذا الإعلان، على اعتبار أن كلام وهبي «لم يُنَسَّق مع وزيرة الخارجية تسيفي ليفني أو مع الجهات المعنية الأُخرى في الوزارة». أما وهبي، فلم يتراجع عن كلامه، وقال في حديث إلى «هآرتس»، إنه يعتقد الآن بأن كلامه سيردع «الجزيرة» وسيدفع بمراسليها إلى الاستجابة للطلبات الإسرائيلية». كما نقلت الصحيفة عن وليد العمري، مدير «الجزيرة» في القدس، قوله إنه لم يتلقَّ أي بيان رسمي يفيد بالمقاطعة من وزارة الخارجية. واتهم العمري إسرائيل بأنها تحاول إخافة القناة، وشبّه سلوكها بسلوك «بعض الأنظمة العربية». وأضاف أنه «يتعجب من دولة تتحدث عن الديموقراطية، لكنها تلاحق الصحافة».
وأكدت «هآرتس» أن المسؤولين في وزارة الخارجية وفي ديوان رئيس الحكومة، بحثوا خلال الأسابيع الأخيرة مسألة التغطية «غير النزيهة» للشبكة خلال الشهرين الأخيرين، ورأوا أن المحطة القطرية أسهمت في زيادة العداء لإسرائيل في العالم العربي. وبعدما تقرر التوجه سراً إلى كبار مسؤولي المحطة في إسرائيل وقطر، وحتى أنه خُطِّط لإرسال رسالة إلى المدير العام للمحطة بشأن هذا الموضوع... جاء الهجوم العلني الذي شنه وهبي، ليحبط كل فرصة للتوصل إلى نتيجة»، بحسب موظفين كبار في وزارة الخارجية.
أما «معاريف» فأكدت أن وزارة الخارجية الإسرائيلية تستعدُّ لمقاطعة «الجزيرة». ونقلت الصحيفة عن «مصدر سياسي رفيع المستوى»، قوله: «لن نتعاون معهم، وإذا اضطررنا إلى تشديد العلاقة تجاههم، فإننا سنسحب منهم البطاقات الصحافية وسندرس طرد طواقمهم من إسرائيل». كما أشارت الصحيفة إلى أن هذه الخطوة التي «تُعَدُّ رمزية أساساً في هذه المرحلة، ستمنع متحدثين رسميين من دولة إسرائيل من الظهور في مقابلات مع المحطة. لكن سيكون بوسع «الجزيرة» مواصلة استضافة أي شخص آخر». ونقلت «معاريف» عن مصدر سياسي كبير ثان: «ليس ثمة جديد في كون «الجزيرة» تبثُّ تقاريرَ وصور بشكل موجه ومناهض لإسرائيل. الجديد هو أن هذا الأمر بلغ مستويات ذروة جديدة من الفظاظة خلال الهجوم الصاروخي الأخير على عسقلان وسديروت، قبل نحو أسبوعين. فقد بثوا (أي «الجزيرة»)، صوراً فظيعة من غزة من دون توقف. وبالكاد أوضحوا أن الأمر يتعلّق بردٍّ على الهجوم الصاروخي على مدن إسرائيل».
وأخيراً نشر موقع «عرب 48» بياناً أصدره مركز «إعلام»، وأكد أن النقاشات الدائرة في الخارجية الإسرائيلية عن تغطية «الجزيرة» لعمليات الذبح التي يمارسها الجيش الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، تعكس التأثير والصدقية التي وصلت إليها هذه القناة.
وأضاف البيان أن الإعلام العربي، وعلى رأسه «الجزيرة»، كان سيلقى بيئة مريحة من العمل الإعلامي، لو أن الخارجية الإسرائيلية انهمكت بما تنهمك به وزارات الخارجية عادة: وهي العلاقات مع الدول. «لكن دول العالم العربي قررت التنحي عن منصبها في صنع رأي عام عربي فاعل، وفي بناء سياسات وبلورة خيارات سياسية لشعبها، لتتفرغ الخارجية الإسرائيلية لأهم ساحة بلورة الرأي العام العربي: «الجزيرة»». وتابع أن نموذج «الجزيرة» غريب عن ذهنية الخارجية الإسرائيلية والإعلام الإسرائيلي معاً، مؤكداً أن الحملة الأخيرة على القناة هي جزء من النشاط الدعائي للخارجية الإسرائيلية، وجزء من تقسيم الوظائف الواضح بين الجيش والخارجية والإعلام في إسرائيل: الجيش يقتل، الخارجية تتولى الرأي العام خارج إسرائيل، والإعلام الإسرائيلي يتولى أمر الرأي العام داخل إسرائيل.