لكلِّ موسم رمضاني تقليعاته. هذا العام، قرر المنتجون إحياء «مسلسلات الطرابيش» التي أثارت الجدل قبل سنوات... بعد موجة السيَر الذاتية وفورة القصص التاريخية، هل تكتفي الأعمال الجديدة بالاستعراض، أم تقدّم قراءة نقدية لمراحل مفصليّة من حياة العرب؟محمد عبد الرحمنالموضة أهمّ من المضمون... هذا ما يؤمن به السواد الأعظم من منتجي الدراما المصرية التي تشهد كل عامين موضة تسيطر على السوق، ثم تختفي لمصلحة موضة أخرى. هكذا، طغت في السنتين الأخيرتين مسلسلات المشاهير على حساب الدراما الاجتماعية، ثم عاد الاهتمام بالدراما التاريخية بعد نجاح «الملك فاروق». بينما استعادت الحكايات الاجتماعية رونقها مع «حمادة عزّو»، قبل أن تؤدي كثافة الإنتاج إلى عودة مسلسلات، تدور أحداثها في النصف الأول من القرن العشرين. إضافة إلى بروز عدد، لا يمكن تجاهله، من دراما تدور في حقبتَي السيتينيات والسبعينيات، وقد فتح لها مسلسل «الدالي» الطريق العام الماضي.
المفارقة أن الصحافة الفنية في مصر شنّت قبل سنوات، حملة على ما سمّته آنذاك مسلسلات «الطرابيش»، مؤكدة أن المؤلفين يفضّلون استعادة السنوات الغابرة على مواجهة مشكلات العصر الذي نعيشه. لكنّ صنّاع مسلسلات «الطرابيش» الذين عادوا بقوة في 2008، يرفضون الاتهامات القديمة المتجددة. ويؤكدون أن أعمالهم تحمل إسقاطات سياسية واجتماعية، لا يمكن إغفالها. ويشيرون إلى أن التكلفة التي يتكبدّها كل منتج من أجل تقديم عمل يدور في الثلاثينيات والأربعينيات، ينبغي عدم تجاهلها عند توجيه سهام النقد إلى مسلسلات «العودة إلى الماضي».
هذا ما يقوله الكتّاب، فماذا عن الأعمال التي تستعيد أمجاد الماضي، والمقرّر عرضها في الموسم الرمضاني المقبل؟
أكد أحمد الجابري، منتج «حدائق الشيطان» و«أولاد الليل»، أنه بصدد تقديم عملين، يستعيدان أجواء مصر خلال الاحتلال الإنكليزي ونظام الملكية. العمل الأول هو «نسيم الروح» للمؤلف يسري الجندي والمخرج سمير سيف، وقد رشّح لبطولته كلاً من مصطفى شعبان ونيللي كريم ورياض الخولي وتوفيق عبد الحميد ومعهم الأردنية صبا مبارك. تصل كلفة المسلسل إلى 3 ملايين دولار، وتنطلق أحداثه مع بداية القرن العشرين، حين كان «الفتوّات» يسيطرون على الأحياء الشعبية. يكبر البطل في بيت الفتوة الظالم، قبل أن يكتشف لاحقاً أن والده بالتبني هو قاتل والده الحقيقي. في الوقت نفسه، يستعرض الجندي عبر خطوط درامية أخرى، أبرز التطوّرات التي كان يشهدها المجتمع المصري آنذاك، وخصوصاً ثورة سعد زغلول عام 1919.
ومن «نسيم الروح» إلى «بيت الباشا»، وهو أيضاً من إنتاج الجابري. في هذا العمل، يجتمع أيمن زيدان وصابرين وصلاح عبد الله، ليقدّموا قصة باشا يعيش في منطقة «نزلة السمان» المجاورة للأهرام. وهو يتصدّى لسرقات البعثات الأجنبية للآثار المصرية تحت رعاية جنود الجيش البريطاني. في الوقت نفسه، يتزّوج هذا الباشا أربع سيدات بينهنّ أجنبية، تنجح في زرع الكراهية في قلب الابن تجاه والده. ويؤكد الجابري أن المسلسل يحمل الكثير من الإسقاطات على ما يحدث في المنطقة العربية حالياً، وهو من تأليف سماح الحريري وإخراج هاني لاشين.
وبينما لم يعلَن بعد موعد تصوير الجزء الثاني من مسلسل «المصراوية»، الذي تدور أحداثه في حقبتي الأربعينيات والخمسينيات، شُغل مخرج العمل إسماعيل عبد الحافظ بمسلسل «عدى النهار» مع صلاح السعدني ونيكول سابا ورزان مغربي، وتنطلق أحداثه عام 1966. ويرصد المسلسل تأثيرات الثورة ثم نكسة 67 على أسرة عريقة اضطرت إلى الهجرة إلى باريس، وعلى كل طبقات الشعب، من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية.
كذلك تنطلق أحداث مسلسل «الفنار» من الخمسينيات، أيام العدوان الثلاثي على بورسعيد، وتستمر القصة حتى الوقت الراهن مع زواج المصريين بإسرائيليات. وهو من تأليف مجدي صابر وإخراج خالد بهجت وبطولة صابرين التي ستشارك في مسلسل «بيت الباشا» أيضاً. علماً أنها ستضطر إلى التحايل على أزياء تلك الفترة عبر وضع «ضفائر اصطناعية» تظهر أسفل الحجاب الذي لم يكن منتشراً بين المصريات، حتى سبعينيات القرن الماضي.
كذلك انتهى المخرج وليد عبد العال من تصوير مسلسل «ثورة وحكاية» (تأليف هالة نعمان عاشور)، ويدور حول مقاومة الشعب المصري للمحتل البريطاني. غير أن المسلسل لن يحظى بفرص تسويق كبيرة بسبب عدم مشاركة نجوم معروفين في الأدوار الرئيسية. إذ أسند عبد العال البطولة إلى فردوس عبد الحميد، وأحمد خليل، وطارق لطفي ونشوى مصطفى.
وإذا صوّرت كل مشروعات مسلسلات السيَر الذاتية التي وضعها المنتجون على خريطة 2008، فإن الطرابيش ستزداد بكثافة في الفترة المقبلة على الشاشة. هناك على سبيل المثال مسلسل «جمال عبد الناصر» الذي من المفترض أن تبدأ أحداثه في عشرينيات القرن الماضي، ومسلسل «أسمهان» الذي ستنتهي أحداثه بوفاتها عام 1944. كما يستعدّ حسن يوسف لتصوير مسلسل «الإمام عبد الحليم محمود»، ويعود من خلاله إلى عام 1923 حين التحق الشيخ بالأزهر في صباه. كذلك يقدم مسلسل «سامية فهمي» مع منّة شلبي والكاتب بشير الديك والمخرج نادر جلال، فصلاً من حرب الجواسيس بين مصر وإسرائيل، قبيل نصر أكتوبر عام 1973. وأخيراً، أوشك المخرج وفيق وجدي على إنهاء تصوير مسلسل «علي مبارك» الملّقب بأبي التعليم في مصر. وتدور أحداث المسلسل (بطولة كمال أبو ريا) في القرن التاسع العاشر.


ووُلدت شقيقة... لمدينة الإنتاج الإعلامي
بينما تواجه مدينة الإنتاج الإعلامي انتقادات مستمرّة بسبب تراجع دورها في سوق الدراما العربية خلال الأعوام القليلة الماضية، يبدو أن مسؤولي المدينة سيواجهون أزمة أكثر تعقيداً في حال استكمال المشروع الذي أَعلن عنه أخيراً المنتج إبراهيم أبو ذكري. ذلك أن رئيس اتّحاد المنتجين العرب أكّد إطلاق مشروع يهدف إلى إنشاء مدينة إنتاج جديدة في مصر، على أن تُشيّد في محافظة الإسماعيلية، المطلّة على قناة السويس. ويتردد في الكواليس أنّ المدينة الجديدة تودّ سحب البساط من تحت المدينة الأم. بينما قال مصدر في «الاتحاد» لـ«الأخبار» إنّ المشروع لا يهدف إلى المنافسة، بل إلى التكامل، مشيراً إلى وجود شركاء عدة من داخل المجال الفني وخارجه، وبعضهم على صلة قرابة بمسؤولين في مدينة الإنتاج الإعلامي. لكن لماذا تم التفكير بالمدينة الجديدة أصلاً؟ يقول المصدر إن أي سوق تقوم على «العرض والطلب»، وعدد الأعمال الفنية العربية في ازدياد مستمرّ. بالتالي، لم تعد بلاتوهات القاهرة كافية، كما أن التجربة أثبتت الحاجة إلى مواقع تصوير متعددة لضمان عدم «حرق» المواقع الموجودة فعلاً بسبب كثرة التصوير فيها. وفي مدينة الإنتاج الإعلامي على سبيل المثال يُستخدَم ديكور «بيت الأمة»، ليكون أحياناً مدرسة، وأحياناً أخرى قصراً. وكان إبراهيم أبو ذكري قد أعلن قبل فترة موافقة محافظ الإسماعيلية عبد الجليل الفخراني على تخصيص مساحة جيدة لإنشاء المرحلة الأولى من المدينة. وعدَّد أبو ذكري مميزات الإسماعيلية، من الجو البدوي لقربها من سيناء، وتوافر الأماكن الريفية لوجود أراض زراعية، إلى جانب السواحل التي تطل على قناة السويس، إضافة إلى قربها من بور سعيد. ثم إنّ المسافة بين الإسماعيلية والقاهرة لا تزيد على 90 دقيقة، كذلك تتوافر في الإسماعيلية الأيدي العاملة التي يمكن استخدامها في الأعمال الدرامية مهما كان نوعها. كما تحتضن المدينة المسرح الروماني، حيث يمكن تصوير
الحفلات.