بعد سنوات من هيمنة الكوميديا النظيفةعلى الشاشة المصريّة، لم يأت التجديد المنتظر رغم الطفرة الإنتاجية الأخيرة. لكنّ دخول جمال مروان سوق الإنتاج قد يغيّر المعادلة، ويخلق مع «غود نيوز» توازناً مصرياً في مواجهة سطوة المال الخليجيمحمد خير
في وقت يتردّد فيه صنّاع السينما المصرية بين جموح الإنتاج أو إعادة الحسابات، يبدو المشهد السينمائي في هوليوود الشرق أكثر إرباكاً من أي وقت مضى. الطفرة الإنتاجية التي تحققت في السنوات الأخيرة وتخطّت أربعين فيلماً روائياً طويلاً في السنة، لم تنجح في خلق تيارات سينمائية جديدة ومحدّدة المعالم. وعلى رغم التنوّع الشديد الذي اعترى المشهد السينمائي بعد سنوات من هيمنة «الكوميديا النظيفة»، إلا أنّه تنوّع نأى عن أي منطق عام يفسر أسباب نجاح هذا المخرج أو فشل ذاك. ثمة فرص تُمنح وعقود توقّع حسبما يشير شباك الإيرادات حيناً أو حسبما تفرض صراعات الموزعين والمنتجين أحياناً أخرى. هكذا، أصبح عادياً أن يتعاقد مخرج شاب على فيلمه الثالث رغم الفشل الفادح للفيلمين الأولين، ما ينطبق أيضاً على الممثلين. بينما يغزو الصدأ كاميرات مخرجين كبار ينتظرون منحاً من الدولة لينفّذوا أفلامهم الجديدة، وبينهم أسماء بقامة داود عبد السيد وخيري بشارة، تنتظرهم ـ حتى لو نفّذوا أفلامهم ـ عقبات أخرى تتمثّل في الموزعين. تكتلات الإنتاج والتوزيع هي التي تتحكم تماماً بالسوق، وهي القادرة على ترويج فيلم ودفن آخر.
في هذا المشهد المرتبك والمزدحم، فاجأ جمال مروان الجميع بقرار تأسيس شركة إنتاج جديدة! المنتج المصري، الذي يمتلك مجموعة قنوات ميلودي، قرّر أن يضيف إليها اسماً جديداً، هو شركة Melody Picture للإنتاج السينمائي. وهو خصّص 100 مليون جنيه مصري (18 مليون دولار أميركي) لإنتاج عشرة أفلام دفعة واحدة، ومبلغاً آخر لشراء المزيد من نيغاتيف الأفلام لعرضها على «ميلودي أفلام»، إضافة إلى حقوق عرض أفلام أخرى.
هذا العدد الكبير من الأفلام سنوياً لشركة واحدة، وهذه الميزانيّات الكبيرة بمعايير السوق المصرية، تعني أنّ مروان قرر مقارعة الرؤوس الكبرى في السوق السينمائية المصرية، وأهمّها شركة «غود نيوز» صاحبة «عمارة يعقوبيان» التي تستعدّ لعرض الفيلم الأكثر كلفةً في تاريخ السينما المصرية، ألا وهو «ليلة البيبي دول» (بلغت كلفته 40 مليون جنيه). ويعني دخول مروان سوق الإنتاج بهذا الزخم، أنّه قد يشكل مع «غود نيوز» توازناً مالياً مصرياً في مواجهة سطوة المال الخليجي. هذا الأخير الذي تمثّل في «روتانا» و«إيه آر تي» و«شعاع» سيطر على ما يقارب نصف سوق الإنتاج السينمائي المصري في الأعوام الأخيرة. وبعدما كان المال الخليجي يدخل السوق المصرية عبر شركاء محليين، أصبح طرفاً مباشراً في المعادلة بل محتكراً لعدد من أبرز النجوم المصريّين. كما فعلت «روتانا» التي احتكرت محمد هنيدي بدءاً من «عندليب الدقي» في الوقت الذي تموّل فيه أفلام شركة «الباتروس». وهذه الأخيرة تنتج أفلام أحمد حلمي الذي يتصدر الإيرادات حالياً، كما تنتج أيضاً أفلام المخرج خالد يوسف، ما يعني تحكّماً روتانيّاً بالسوق المصرية، لم تستطع حتى الآن أن تجاريه «غود نيوز» الأضخم مصرياً. فهل ستقلب شركة «ميلودي» الجديدة معادلات السوق؟
المؤكد أنّ الصراعات التي تفور بها الصناعة على مستوى رؤوس الأموال ستنعكس على التوزيع، والأخير هو مشكلة المشاكل في الموسمين الأخيرين في مصر. إذ احتدمت المنافسة بين أكبر جهتي توزيع «العربية» و«مجموعة الفن السابع»، ما أدى إلى إطاحة عدد من الأفلام خارج ساحة العرض و«تمويت» أفلام أخرى، والمبالغة في تقييم إيرادات شرائط بعينها لضرب نجوم بنجوم آخرين، إلى آخر ألاعيب الموزعين المعهودة. وإذ فرضت لغة المال نفسها ودفعت كلاً من قطبي التوزيع إلى بعض المرونة والتراجع في حرب تكسير العظام، إلا أنّ الحقيقة التي تلخّصت في أنّ مساحة سوق العرض محدودة (أقل من 500 شاشة). ما يعني أنّه مهما زاد الإنتاج السينمائي إلى ما هو متوقع ( 60 فيلماً في السنة)، فإن المعروض لن يزيد على المتاح حالياً (40 فيلماً). فالعديد من الأفلام تعاني عدم توافر عدد كافٍ من الشاشات، أو يشتكي أصحابها من عرضها في توقيت «ميت» على رغم أنّ المواسم السينمائية تمددت حتى احتلت معظم شهور السنة.
إلا أنّ نقطة أخرى يثيرها اقتحام جمال مروان سوق الإنتاج السينمائي، وهي نقطة تتمحور حول علاقة التلفزيون بالسينما. فالأموال الخليجية التي قرر صاحب «ميلودي» أن ينافسها، هي أموال ـ إضافة إلى جنسيتها العربية ـ آتية من صناعة الميديا التلفزيونية، وقد وجدت في الإنتاج السينمائي أفضل طريقة لضمان «خطوط إنتاج» تموّل شاشاتها الجائعة، وملء أوقات فراغ الإرسال، ما يجعل من قرار الإنتاج «المرواني» قراراً بديهياً وربما متأخراً، وخاصة أنّ «ميلودي أفلام» عندما تأسست لتنافس «روتانا سينما»، نافستها من خلال عرض 9 أفلام يومياً، مقابل خمسة فقط في «روتانا سينما» و«روتانا زمان» اللتين تمتلكان أصلاً ضعف رصيد «ميلودي» من الأفلام. هذا الرصيد الذي ينفد سريعاً، فيدفع صاحبه ـ تماماً مثل منافسيه ـ إلى الدخول في دائرة الإنتاج، ثم العرض، فالإنتاج من جديد... وفي الطريق مزيد من الفضائيات التي ستغيّر من طبيعة المشهد السينمائي العربي خلال سنوات.


حفيد عبد الناصر وإمبراطورية ميلودي
لا يتوقف جمال مروان عن إثارة الجدل، تماماً كما لا يتوقف عن اتباع طموحه المالي والمهني. الطفل الذي حمل اسم جدّه لأمه جمال عبد الناصر كان في الرابعة من عمره عندما توفي الزعيم العربي الكبير. هو لا يذكره جيداً، لكنه صنع إمبراطوريته على طريقته الخاصة، وفي مجاله. هكذا، أصبح يمتلك الآن أكبر عدد من المحطات التلفزيونية المصرية الخاصة، وهي مجموعة قنوات «ميلودي» التي حاربها بعضهم وانتقد كثيرون ما تعرضه من فيديو كليب قالوا إنها «تتنافى والقيم العربية والمصرية». لكن لا أحد أنكر ذلك الشعور بالارتياح، أو شفاء الغليل الذي أشاعه جمال مروان عندما اشترى 1000 فيلم مصري من بين أنياب «روتانا» و«إيه آر تي» ديناصوريي الإعلام الخليجي اللذين اقتسما معظم الأفلام المصرية واشتريا النيغاتيف الأصلي لها، ما أثار غضباً وخوفاً عند مثقفين مصريين رأوا في ذلك عدواناً على التراث الثقافي المصري. ورغم أنّ المال لا وطن له، إلا أن دخول «ميلودي» المصرية التنافس وشراءها الأفلام المصرية وعرضها أسهمت في تهدئة الغضب.
إلا أنّ محطات «ميلودي» هي جزء صغير من الضجة التي تحيط باسم جمال مروان، فمن مشكلاته مع نجيب ساويرس، إلى خلافاته مع هيفاء وهبي، ومعاركه مع الملحن عمرو مصطفى ـ ومعظم تلك الخلافات والمشاحنات تطورت إلى أن وصلت إلى ساحات القضاء والمحاكم ـ إلا أنّ ذلك لا يبدو أنه يفت في عضد مروان الذي رغم أنه يعمل في مصر ، إلا أن معظم الكليبات التي ينتجها ينفذها في لبنان.