بيار أبي صعبهناك زحمة، هذه الأيّام، عند زاهي وهبي. زحمة الوجوه التي تمثّل العصر الذهبي للثقافة اللبنانيّة الحديثة، في مختلف مجالات الإبداع. بعد الروائي رشيد الضعيف، يستقبل الشاعر والإعلامي هذا المساء، في برنامجه «خلّيك بالبيت» على شاشة «المستقبل»، السينمائي برهان علويّة.
وصاحب «بيروت اللقاء» (١٩٨٢) يختصر وحده صفحات أساسيّة في تاريخ السينما اللبنانيّة، هذا الحلم المؤجّل الذي ما زال منذ سبعينيات القرن الماضي قيد التشكّل. عبرت أجيال وحروب ومشاريع سياسيّة متضاربة، ولا تزال رحلة الألف ميل عند خطواتها الأولى. بعد جيل علويّة ومارون بغدادي الذي طلع من رحم الحرب الأهليّة، جاء سينمائيون آخرون ليتابعوا تلك المغامرة، مع غسان سلهب وزياد الدويري، ثم برزت في السنوات الأخيرة أسماء جديدة مثل دانيال عربيد ونادين لبكي. لكن السينما في لبنان لم تصبح تماماً السينما اللبنانيّة... لم تتحوّل المغامرات الفرديّة إلى حركة متكاملة، متجذرة في تربتها، مع ما يستوجبه ذلك من صناعة وتقاليد وتخصصات ونضج تقني ومقدرات إنتاجيّة وتسويقيّة.
ومع ذلك، فقد طبعت سينما برهان علويّة (١٩٤١) مزاج أجيال من المشاهدين، ورافقت تشكّل وعيهم وأذواقهم، منذ «كفرقاسم» (١٩٧٤) حتى فيلمه الأخير «خلص» (٢٠٠٧) الذي تخبّط سنوات عدّة في المصاعب المختلفة، قبل أن يتمكّن من إنجازه. أفلام برهان محطات مترابطة في تلك الرحلة السيزيفيّة الشاقة على جلجلة الحرب الأهليّة اللبنانيّة، بدءاً بفيلمه التأسيسي «بيروت اللقاء»، ومروراً بسلسلة «رسائل» رصدت آثار تلك الحرب، بين المنفى القسري، وعزلة الداخل اللذين تأرجح بينهما برهان علويّة طويلاً، على مستوى التجربة الشخصيّة: «رسالة من زمن الحرب» (١٩٨٥)، «رسالة من زمن المنفى» (١٩٩٠)، «إليك أينما تكون» (٢٠٠١).
طوال ربع قرن عبّر علويّة عن تلك الحيرة، وذاك الضياع، في قلب الانهيار العظيم. وعند انتهاء الحرب (أو ما شبّه إلينا بأنه كذلك)، حين غمر التفاؤل معظم المثقفين والمبدعين، كان برهان غارقاً في اليأس والقلق. هكذا جاء فيلمه الروائي الطويل الثالث «خلص»، ليسلّط نظرة اتهاميّة جارحة إلى «زمن السلم» المتعجّل، وليقوم بجردة حساب لماضٍ قريب يتسابق الجميع على نسيانه... برهان علويّة في «خلص» هو سينمائي الزمن الضائع بامتياز... والأوهام الضائعة أيضاً. إنّه يختصر السينما اللبنانية بكل نقاط ضعفها، وبكل تجلّياتها. من خلال شخصيّتين هامشيّتين يصعب شفاؤهما من أسئلة الحرب، يسلّط نظرة سوداويّة، مُرّة، إلى سنوات الإعمار التي حقنت اللبنانيين (ومعهم العرب) بأحلام كاذبة عن السلام الأهلي. ويخرج من الأعماق شياطيننا الجماعيّة الكامنة في بلد الفساد والنسيان والكذب السياسي والتلفيق الأخلاقي. «خلص» أكثر من فيلم، إنّه وصيّة سياسيّة وأخلاقيّة.
الليلة 21:30 على «المستقبل» الفضائيّة
الجمعة 21:00 على «المستقبل» الأرضية