strong>باسم الحكيم
على الجمهور الواسع. بينما تتواصل عروض «تحت القصف» و«ليلة عيد»، ينطلق بعد أيام شريط المغامرات والمطاردات «خلّيك معي». هل بدأت السينما اللبنانية تتصالح مع شباك التذاكر؟

يبدو أن الانتعاش الدرامي الذي تعيشه ساحة الإنتاج اللبناني هذه الأيام، انتقل إلى الشاشة الكبيرة، وها هي صالات «بلانيت» تحتضن ثلاثة أفلام لبنانية، تراهن على الجمهور في المقام الأوّل. بعد انطلاق عروض «ليلة عيد» للكاتبة كلوديا مرشليان والمخرجة كارولين ميلان، ثم فيلم «تحت القصف» للمخرج فيليب عرقتنجي، تبدأ مساء الخميس العروض الجماهيريّة لـ«خليك معي» (كتابة علي مطر، إخراج إيلي ف. حبيب، وإنتاج «رؤى بروداكشن»، وتنفيذ شركة «غرين»).
اختار المخرج أن يفتتح فيلمه على أنغام أغنية «فراشة وزهرة» للراحل زكي ناصيف، أثناء وجود البطلين (سائق تاكسي وسيدة أعمال)، داخل مبنى قيد الإنشاء ويبدو السائق في غاية التأثّر لأسباب تتوضح لاحقاً. ثم يعود المخرج ليصوّر السائق غسّان مع والدته المريضة، في دور أتقنت ختام اللحام أداءه بعفوية. كذلك قدّم عمار شلق دوراً مقنعاً، وهو يجسّد شخصية سائق تاكسي مثقّف، اضطر إلى العمل على سيارة أجرة لتأمين لقمة العيش. تنقلب حياة هذا الشاب رأساً على عقب، عندما يقلّ أخاه غير الشقيق ديب ديب (هشام أبو سليمان)، إلى مكان مجاور لفيلا عادل خشّاب (مجدي مشموشي). وديب هو شرطي فاسد، يحاول ابتزاز عادل خشّاب، بعدما وقعت يداه على دليل، يدين هذا الأخير بارتكاب جريمة قتل. أما خشاب، فهو رجل مافيا يخطط لاغتيال زوجته سحر (نادين الراسي) للحصول على مبلغ التأمين على حياتها. وحين تستشعر المرأة بالخطر، تهرب من الفيلا وتستنجد بالسائق الذي يصادف وجوده في المكان لحظة هربها، فيعيش معها مغامرات مليئة بالتشويق والخطر...
يبرز في الفيلم الأداء المختلف والمتقن لمجدي مشموشي. وهو رجل المافيا الذي لا يتوانى، بل يتلذذ في قتل كلّ من يقف في طريقه. وبعد تورطه بمقتل سكرتيرته الخاصة (كارلا بطرس)، يأتي دور الضحيّة التالية (زوجته). واجتمعت المؤثّرات الصوتيّة والبصرية مع أداء مشموشي لتقدّم مشاهد جيدة في مكتبه الخاص، ثم في القبو حيث «يصفّي حساباته» مع الشرطي الفاسد. كما أبرز المخرج مشاهد مطاردة رجال المافيا لسيارة التاكسي وتحطيم مقدمتها الأماميّة، فيما مزج السيناريست بين مشاهد العنف ومشاهد طريفة تجمع سيدة الأعمال والسائق. وفي الشريط، عمل المخرج جاهداً على وضع الممثل المناسب في المكان المناسب: نادين الراسي نجحت في تجسيد دور المرأة الأرستقراطية، وعمر ميقاتي الذي يختبئ عنده البطلان. هناك أيضاً المشهد اليتيم لوجيه صقر، ومشاهد قليلة لكارلا بطرس في دور سكرتيرة عادل خشّاب، وأنطوان بلابان في دور التحرّي الخاص. إضافة إلى مشاهد صامتة للممثلة الشابة سناء حبيب التي ترسم خط النهاية للمجرم.
في «خليك معي»، يخوض السيناريست علي مطر تجربته السينمائيّة الأولى، بعد مشاركته في كتابة أكثر من قصة من سلسلة «قصتي قصّة» للمخرج إيلي أضباشي، ومشاركته في وضع سيناريوهات برنامج «لو فرضنا» لمصلحة تلفزيون «المستقبل». يرى أن فيلمه الأول يجمع بين مشاهد «الأكشن» والتشويق، ويتطرّق إلى الصراع الطبقي بين سائق التاكسي وسيدة الأعمال. يدرك أن مساحة الحركة والمطاردات واسعة، «لكن بعد هذا التصاعد في الإيقاع، نصل إلى مشاهد هادئة، تحتّم على الجمهور الإصغاء إلى عمق الحوارات، ثم الدخول في لعبة الشكّ التي تتحكّم في بعض الأوقات بعلاقة البطلين». ويستعير عبارة من نصّه، تقول: «مش كل الأغنيا ما عندن قلب، ولا كل الفقرا بيآمنوا بالحب».
لكن الفيلم يبرز شخصية الشرطي الفاسد، فهل واجه العمل أي عراقيل من قبل الرقابة؟ يجيب مطر: «هذا النص وافقت عليه مديرية الأمن العام، فمن الطبيعي أن يكون في كل مؤسسة عنصر فاسد، على أن تلقي المؤسسة نفسها القبض عليه في نهاية المطاف». يجد مطر أن فيلمه يأتي في مرتبة متوسطة بين الأفلام الجماهيريّة وتلك النخبوية، ويذهب إلى أن «العمل يمثّل بداية صحيحة نحو سينما بديلة، راهنتُ فيه على الموضوع وراعيت الجمهور، بمعنى أنني لم أعقّد القصة ولم أحمّل النص أكثر مما يحتمل لجهة الأفكار الإيديولوجية والفلسفية». وهنا ينتقد «بعض التجارب التي تسقط الجمهور من حساباتها لأنه لا سينما خارج الجمهور». ومع ذلك، لم يخل هذا الامتحان السينمائي من الثغر، وخصوصاً لجهة بعض الحوارات الطويلة التي يمكن اختصارها بسهولة، ما يسهم في تقصير مدة الشريط التي تجاوزت الساعتين، ويبعد شبح الملل عن الجمهور. أضف إلى ذلك أن «خليك معي» هو شريط مغامرات بامتياز، ينأى بنفسه عن المجتمع اللبناني، وخصوصاً لجهة المطاردات، علماً بأن المجتمع المحلي ومعاناته سيكونان محور الفيلم المقبل لمطر مع المخرج سمير حبشي بعنوان «العقرب».
وبالعودة إلى «خلّيك معي»، أخذ المخرج وقته بالاهتمام بالتفاصيل كلها، سواء لجهة التصوير بتقنية HD أو المونتاج والميكساج ثم الصوت بتقنية «دولبي ساراوند»، وكذلك لجهة الموسيقى التصويرية التي وضعها بنفسه. وبعدما كانت بدايته العمليّة مع فيلم «دومينيكو سافيو» في عام 2001، يعود اليوم إلى السينما بعدما اكتسب الخبرة في مسلسلات «المحتالة» (2003)، «عمول كونترول» (2004)، «ابنة المعلم» (2005)، «غنوجة بيا» الفيلم والمسلسل (2005 و2006) و«نضال» (2006). وقبل إعطاء الضوء الأخضر لانطلاق «خليك معي» في الصالات، بدأ حبيب بالتحضير لعملين مع السيناريست علي مطر، هما فيلم سينمائي عن حياة مار شربل ومسلسل دراميّ بعنوان «استشارة» حول طبيب نفسي، يعالج عدداً من الحالات في المجتمع اللبناني ويعاني اضطراباً عائلياً ونفسياً. وتفتح القصة على صراع نفسي يعانيه، تؤدي به إلى طلب العلاج، وقد كتب منه مطر حتى اللحظة خمس حلقات.

ابتداءً من 7 شباط (فبراير) في صالات «بلانيت»
www.circuitplanete.com