strong>محمد عبد الرحمن
لا شكّ في أن فيلم «طباخ الريّس»، بغضّ الطرف عن مستواه الفني، سيدخل تاريخ السينما المصرية في أوّل شريط يُظهر شخصية رئيس الجمهورية المصرية حسني مبارك.
قبل عامين، طلبت الرقابة من فريق عمل فيلم «ظاظا» حذف كلّ ما يشير إلى أن الأحداث تدور في مصر. وبالتالي، لم يكن كمال الشنّاوي الذي أدّى دور الرئيس، يمثّل رئيس الجمهورية المصرية. وعندما فاز عليه «ظاظا» في الانتخابات وفق أحداث الفيلم، لم يكن هذا الأخير هو الرئيس الجديد للمصريين.
لكن في «طباخ الريّس» الذي يعرض حالياً في الصالات المصرية، يؤدي خالد زكي دور رئيس الجمهورية، مستعيناً بجوانب من شخصية الرئيس مبارك (طريقة التلويح بيده، أسلوبه في محاورة أحد المواطنين...)، على رغم أنه يظهر من دون اسم. لذا، أجازت الرقابة عرض العمل، بعدما حذفت وأضافت الكثير من المواقف لضمان ظهور الشخصيّة في أفضل صورة. أضف إلى ذلك «حساسية الموضوع» التي تنبّه لها المؤلف يوسف معاطي والبطل طلعت زكريا والمخرج سعيد حامد، خلال كتابة العمل وتصويره.
كلّ ما سبق أوصل الشريط «بارداً» إلى الجمهور، بخلاف جودة الطعام الذي كان يعدّه الطباخ متولّي عبد الرحمن في مشاهد العمل. ولو لم يتزامن عرض «طباخ الريّس» مع خروج طلعت زكريا سالماً من رحلة المرض، لكان النقّاد شنّوا هجوماً أشرس من ذلك الذي يتناول الفيلم اليوم على صفحات الجرائد. ويكفي أن الشريط يكرّس مقولة أنّ الحاشية هي سبب الفساد. وفي الحاشية هنا، يعرف الأشرار ـــــ على رغم قلّتهم ـــــ كيف يمارسون نشاطهم من دون علم الريّس. وخالد زكي عندما قرر النزول إلى الشارع حتى يقترب من الناس، قصد مستشفى في قرية نائية وطلب مقابلة الأهالي. وإذا بالحاشية تستعين بممثلين مغمورين للقيام بدور الفلاح وزوجته. لكن الرئيس، مصادفة، كان قد شاهد هذه الفلاحة تؤدي دوراً على الشاشة. حينها، أبلغ الموظفون أنه سينزل إلى الشارع بمفرده بعد يومين، ليجد أنّ 75 مليون مصري قد اختفوا تماماً من شوارع القاهرة، بعدما أشاعت الحكومة خبراً مفاده أن هناك خسوفاً للشمس، سيصيب المواطنين بالعمى!
ولو لم يقابل الرئيس الذي لم يعرف بقصة الشائعة طبعاً، طلعت زكريا في حيّ «السيدة عائشة»، ويقرر تعيينه طباخ القصر، لما عرف أن سعر طبق الكشري وصل إلى خمسة جنيهات، وأن أروقة بعض المؤسسات الحكومية تعجّ بالفساد... كلّ هذه الأمور كشفها الطباخ خلال أحاديثه اليومية مع «الريّس»، ليعمل هذا الأخير بعدها على التخلّص من رجال الحاشية الفاسدين. وهنا، طلبت الرقابة إضافة مشهد، يطيح فيه الريّس مساعده الفاسد (لطفي لبيب)، مختارةً أبسط أنواع العقاب، وهو بقاء هذا المساعد في منزله، من دون حساب أو محاكمة. كذلك خففت الرقابة الكثير من الجمل الكوميدية التي «قد تقلّل من هيبة الدولة على شاشة السينما». وفي نهاية العمل، على رغم التغيير الذي انتهجه الرئيس في سياسة البلاد، صدّق قصة مرض «الطباخ» الذي غاب فجأة عن القصر، وأغلق الملف. وعندما عاد متولّي ليشرح حقيقة تغييبه عن العمل، ردعه رجال الأمن، وظلّ السور قائماً بين الناس والرئيس!
وعلى رغم كلّ ما سبق، فإن الفيلم أضاف كثيراً إلى طلعت زكريا إذا قورن «طبّاخ الريّس» بفيلميه الأخيرين «قصة الحي الشعبي» و«حاحا وتفاحة»، وقد لجأ فيهما إلى «إيفّيهات» نافرة أحياناً، فيما كان الضحك في «طباخ الريس» مهذّباً، حتى لو كان نادراً.
وكان زكرياً قد أطل مجدداً على الجمهور بعد غياب خمسة أشهر، إثر إصابته بفيروس في المخّ، كاد يودي بحياته، وتلقّى العلاج بين القاهرة وباريس، بينما يواصل اليوم جلسات العلاج الطبيعي، آملاً استعادة عافيته في أقرب وقت، كي يكمل مشواره الفني مع فيلم «سعيد حركات».