strong> عثمان تزغارت
ما إن هدأت المعارك الأخيرة حول الحصيلة المثيرة للجدل لتظاهرة «الجزائر عاصمة الثقافة العربية ـــــ 2007»، حتى ضجّت الأوساط الثقافية الجزائرية بمعركة جديدة إثر إعلان انسحاب السينمائيين سعيد ولد خليفة وناديا شرابي من «مهرجان أفلام الحب» الذي ستنعقد دورته الـ24 في مدينة مونس البلجيكية من 8 إلى 14 شباط (فبراير) الجاري.
كالعادة، تبارت الصحف الجزائرية في الإشادة بصلابة الموقف الوطني لهذين السينمائيين الجزائريين اللذين قرّرا الانسحاب بمجرد أن علما بمشاركة أفلام إسرائيلية في المهرجان. ونقلت صحيفة «الخبر» عن ناديا شرابي قولها: «كنتُ على أهبة المشاركة في مسابقة «جائزة الجمهور» قبل أن أفاجأ بمشاركة «الصورة الإسرائيلية»، فقرّرت الانسحاب لأنني أرفض التطبيع، حتى لو فرشوا لي السجّاد الأحمر».
أما سعيد ولد خليفة، فاكتفت الصحف الجزائرية بالقول إنّه تبنّى الموقف الوطني ذاته، وإن كان قد تعذّر الاتصال به، لانهماكه بالمشاركة في مهرجان آخر (مهرجان «سينما الجنوب» الذي يقام حالياً في مدينة «روان» الفرنسية، حيث نال قبل أيام جائزة الجمهور عن فيلمه «شاي من أجل غنية»). لكن كثيرين ممّن يعرفون صاحب «الظلال البيضاء» استغربوا أن ينسحب من مهرجان غربي لمجرد مشاركة أفلام إسرائيلية فيه، علماً بأنّه منذ سنين طويلة يرفض «سياسة الكرسي الشاغر»، معتبراً أن السينمائيين العرب إذا قرّروا مقاطعة كل مهرجان دولي تشارك فيه أفلام إسرائيلية، فإن السينما العربية ستكون هي الخاسرة، إذ تتعرض للتغييب فيما الساحة مشرعة أمام السينما الإسرائيلية.
إذاً ما الذي حدث بالضبط ودفعه إلى الانسحاب من «مهرجان أفلام الحب» البلجيكي؟ يقول ولد خليفة لـ«الأخبار»: «بالطبع، لا حرج لي في أن تكون هناك أفلام إسرائيلية تشارك إلى جانب فيلمي في أيّ مسابقة أو مهرجان. لقد اعتدنا ذلك منذ سنين. حتى السينمائيون الإيرانيون ما عادوا يعارضون فكرة أن تتبارى أفلامهم مع أعمال إسرائيلية في «كان» أو «فينيسيا/ البندقيّة» أو غيرها من المهرجانات». لكنّه يسارع إلى التوضيح: «الأمر يختلف جذرياً في هذه الدورة من «مهرجان أفلام الحب» البلجيكي. كنتُ سعيداً بمشاركة فيلمي الأخير «عايشات» في المسابقة الرسمية، وكنت أنوي حضور المهرجان للمشاركة في التظاهرة التكريمية الخاصة بالمنتج التونسي الراحل أحمد بهاء الدين عطية... لكنني فوجئتُ الأسبوع الماضي، وأنا أتصفّح الموقع الإلكتروني للمهرجان، بأنّ القائمين عليه قرّروا تخصيص تظاهرة كاملة للاحتفاء بالذكرى الستين لتأسيس دولة إسرائيل، وهو ما دفعني إلى إرسال خطاب مطوّل إلى المفوّض العام للمهرجان لإعلان انسحابي وشرح أسبابه. وأبلغتُ ناديا شرابي بقراري، بوصفها منتجة فيلمي، فأيّدت موقفي وقالت إنّها ستسحب أيضاً فيلمها «وراء المرآة» من المهرجان».
في خطابه الموجّه إلى المفوض العام للمهرجان البلجيكي، شرح سعيد ولد خليفة موقفه، قائلاً إنّه لا يمانع مشاركة أفلام إسرائيلية أو حتى تخصيص تظاهرة للاحتفاء بالسينما الإسرائيلية. «أما أن يكون الموضوع المحتفى به تأسيس دولة إسرائيل، فالأمر يتعلق هنا بموقف سياسي وإيديولوجي متحيّز، لا أرفضه من منطلق كوني جزائرياً، بل بوصفي فناناً وإنساناً يرى أن إسرائيل ليست نموذجاً للدولة التي يجب الاحتفاء بها».
أما عن رد فعل القائمين على المهرجان، فيقول ولد خليفة إنّهم تجاهلوا الإشكالية الأساسية التي طرحها والمتعلقة باستغرابه أن يحتفي مهرجان سينمائي بحدث سياسي مثل تأسيس إسرائيل، فضلاً عن كون هذا المهرجان خاصاً بأفلام الحب، حيث لم يُعرف عن إسرائيل طيلة سنواتها الستين أنّها مثّلت ذات يوم «نموذجاً للحب» بما يمكن أن يبرّر مثل هذا الاحتفاء.
أما المفوض العام للمهرجان البلجيكي فلجأ إلى التهمة الجاهزة المتمثلة في معاداة السامية، متهماً المخرج الجزائري بأن انسحابه جاء على خلفية موقف راديكالي ضد السينما الإسرائيلية. أما نحن ـــــ أضاف المفوّض ـــــ فنسعى للسلام! هذا الرد الاستفزازي دفع ولد خليفة إلى تصعيد لهجته، قائلاً: «لستُ معادياً للسامية، ولا أتبنّى موقفاً معادياً للسينما الإسرائيلية من منطلق إيديولوجي. بل أنا فخور بأنني كنتُ أول من عرّف في فرنسا بالسينمائي عمّوس غيتاي منذ فيلمه الأول «بيت» مطلع الثمانينيات... بينما كانت الدعاية الرسمية الإسرائيلية آنذاك تلقّبه بـ«السينمائي الناطق باسم عرفات». وأنا أعدّ العديد من الفنانين والمثقفين الإسرائيليين من أصدقائي. أما المهرجان البلجيكي الذي يدّعي أنه يعمل للسلام، فعليه أن يشرح لنا لماذا أقصى أبرز السينمائيين الإسرائيليين عن هذه التظاهرة التي ستحتفي بالذكرى الستين لتأسيس إسرائيل، إذ إنّ 7 بين 10 أفلام ستعرض ليست أعمالاً لمخرجين إسرائيليين، ولا هي مُنتجة في إسرائيل أو مصوّرة هناك. بل هي أفلام صهيونية من جنسيات شتى، منها فيلم أوكراني عن الهولوكوست، وأفلام أخرى من الشاكلة ذاتها»!



ضمن نشاطات «ناد لكلّ الناس»، تعرض صالة «متروبوليس» في الثامنة من هذا المساء، فيلم «خلص» للمخرج برهان علوية، ويلي العرض مناقشة وحوار مع المخرج وبعض الممثلين.